الأموات ، فإنه يراه في المنام ، وقد يدله على أمر مخصوص ، وقد يدله على دفين ، كان هذا الحي غافلا عنه ، وقد ينبهه على بعض المهمات. وكل ذلك يدل على أن النفوس باقية بعد موت الأجساد ، وكل ما دل على أن النفس باقية بعد موت الجسد ، فإنه يكون دليلا على أن النفس غير الجسد.
الحجة الرابعة : الآيات الدالة على أن الإنسان بعد موته يرجع إلى الله في السعادة والكرامة قال تعالى : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ، ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي) (١) ولا شك أن المراد من هذه (النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) : هو ذلك المكلف الذي حصل له اطمئنان ، بأنه يجب الإعراض عن الجسمانيات ، والإقبال على عالم المفارقات والروحانيات. ثم إنه تعالى قال لهذه النفس : (ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً) وهذا الرجوع لا يحصل إلا بعد الموت ، ثم إنه تعالى وصفها حال الرجوع بهذه الصفات الثلاثة :
أولها : كونها مطمئنة في العلوم الحقة ، والأخلاق الفاضلة ، التي لا تزول بسبب زوال الجسد.
ثانيا : كونها راضية عن خالقها في جميع الأحوال.
وثالثها : كونها مرضية عند الله تعالى في جميع الاعتقادات والأخلاق. ثم لما وصفها الله تعالى بهذه الصفات قال لها : (فَادْخُلِي فِي عِبادِي ، وَادْخُلِي جَنَّتِي).
وكل ذلك تصريح بأن الشيء الذي هو الإنسان في الحقيقة باقي ، حي ، عاقل فاهم بعد موت هذا البدن [وإذا ثبت هذا فنقول : الإنسان باقي ،
__________________
(١) الفجر ٢٧ ـ ٣٠ والتكملة من (ل ، ط). وإلى ربك فيها تأويلان : ١ ـ إلى جسد صاحب النفس ـ وهذا يدل على أن النفس غير الجسد. ٢ ـ إلى ربك أي إلى الله تعالى ـ وهذا يدل على أن النفس هي الروح والجسد. وهو صحيح. والرجوع إلى الله في الآخرة ، أي ارجعي إلى ثواب ربك وكرامته. وادخلي في عبادي أي في الصالحين منهم ، وادخلي الجنة معهم.