حي ، عاقل ، فاهم بعد موت هذا البدن. والبدن (١)] ليس كذلك. وهذا يدل على أن الإنسان شيء مغاير لمجموع هذا البدن ، ولكل واحد من أجزائه وأقسامه.
ويقرب من هذه الآية قوله تعالى : (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ، تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا. وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ. ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ. مَوْلاهُمُ الْحَقِّ. أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ) (٢) فحكم عليهم بعد موتهم : بأنهم (رُدُّوا إِلَى اللهِ. مَوْلاهُمُ الْحَقِ) وذلك يقتضي بقاؤهم بعد موت البدن ، وعلى أنه تعالى يحاسبهم بعد موت البدن. وكل ذلك يدل على ما ذكرناه. فإن قالوا : فلم لا يجوز أن يكون المراد بهذا الخطاب : جزء [مخصوص (٣)] من أجزاء البدن؟ فنقول : فعلى هذا التقدير يكون المكلف المثاب والمعاقب والمخاطب والمعاتب ، ليس إلا ذلك الجزء ، فيكون الإنسان هو ذلك الجزء ، لا هذا البدن. ولا شيئا من الأعضاء المحسوسة كالقلب والدماغ. ونحن لا نطلب إلا هذا القدر في هذا المقام (٤).
الحجة الخامسة : قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) (٥) فذكر المراتب الخمسة في التغيرات الجسمانية. ثم قال في المرتبة السادسة منها ، وهي مرتبة تعلق الروح بالبدن : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) [وهذا يدل على أن الروح ليس من عالم الأجسام ، وإلا لكان ذلك أيضا تغيرا للجسم من حالة إلى حالة أخرى ، فكان من جنس المراتب الخمسة المتقدمة. وكما لم يقل في شيء منها : (ثُمَ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ)] وجب أن لا يذكر هذا
__________________
(١) من (ل ، طا).
(٢) الأنعام ٦١ ـ ٦٢ والتكملة من (طا ، ل) وفي تفسير القرطبي : (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ) أي ردهم الله بالبعث للحساب».
(٣) سقط (م) ، (ط).
(٤) تقديم وتأخير في (ل).
(٥) المؤمنون ١٢.
(٦) من (م ، ط). والإنشاء الآخر. قال فيه القرطبي : قيل هو نفخ الروح فيه بعد أن كان جمادا. وعن ابن عباس : خروجه إلى الدنيا. وعن مجاهد : كمال شبابه. والصحيح : أنه عام ـ