وقد يتفق بين آخرين من النفرة والبغضة ما لا يزاد عليها ، والأظهر : أن هذا المذهب هو الذي كان يذهب إليه صاحب الوحي والشريعة صلىاللهعليهوسلم ، حيث قال : «الأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف» وقال أيضا : «الناس معادن ، كمعادن الذهب والفضة» وهذا [المذهب (١)] هو المختار عندنا.
والطائفة الرابعة : قالوا : النفوس البشرية ، وإن كان قد يوجد فيها ما يكون بعضها أشد مشاكلة للبعض في العلوم والأخلاق ، إلا أن تلك المشابهة والمشاكلة واقعة في الصفات لكن المشاكلة في الصفات لا تدل على المماثلة في الماهية ، فكل واحد من جواهر النفوس [البشرية (٢)] مخالف بالماهية والذات المخصوصة لسائر النفوس ، وإن كانت متساوية في الصفات.
فهذا شرح هذه المذاهب في هذا الباب :
أما القائلون بتماثل النفوس في تمام الماهية. فقد احتجوا على صحة قولهم : بأن قالوا : لا شك أن النفوس الناطقة متساوية في كونها نفوسا ناطقة بشرية. وبعد حصول الاستواء في هذا المفهوم. إما أن يقال : إنها مختلفة باعتبار آخر ، وإما أن لا تكون كذلك. والأول باطل. وإلا لكان ما به المشاركة غير ما به المخالفة ، فحينئذ يلزم كون كل واحدة من تلك النفوس مركبة من جزءين ، وذلك على النفوس التي هي [جواهر (٣)] مجردة : محال. ولما بطل هذا القسم ، بقي الثاني. وهو أن النفوس الناطقة البشرية ، كما أنها متساوية في هذا المعنى ، فهي متساوية في تمام الماهية.
وإذا ثبت هذا ، فحينئذ يجب أن يكون مجال اختلاف النفوس في إدراكاتها وأفعالها ، على اختلاف الأمزجة.
__________________
(١) من (م).
(٢) سقط (ل ، طا).
(٣) سقط (ط).