القلب ، تكون كالحبة التي منها انشعبت الأعصاب الكثيرة في الدماغ؟
وثالثها : لو صح ما ذكره «جالينوس» لوجب أن يقال : إن أصل العروق الضوارب هي النسيجة الشبيهة بالشبكة التي في الدماغ ، لا القلب. لأن في تلك النسيجة من العروق والضوارب ، عدد لا يحصى. وهي في غاية المشابهة لعروق الشجرة.
واعلم أن هذه النقوض التي ذكروها على «جالينوس» : وجوه متكلفة. ول «جالينوس» أن يجيب عنها. ولو لا ظهورها لأوردناها.
والوجه الثاني : سلمنا أن الكثرة والقوة لا يحصلان إلا عند المبدأ. إلا أنا نقول : لا نزاع أن القلب منبت الشرايين. ثم إن اجرام الشرايين من جنس أجرام الأعصاب. وإذا كان كذلك ، أمكن أن تكون الأعصاب متولدة من تلك الشرايين. وبهذا التقدير يكون القلب منبتا ومنشأ للعصب.
فيفتقر في تقرير هذا الكلام إلى إثبات مقدمات.
المقدمة الأولى : إن العروق من جنس الأعصاب. فالدليل عليه : أن أجرام العروق تتفشى وتنقسم إلى الشظايا الليفية التي لا حس لها ، وهي بيض لدنة ، عديمة الدم ، صلبة غير حساسة في أنفسها ، والأعصاب كذلك في جميع الصفات. والدليل على أن الأعصاب غير حسّاسة في أنفسها : إنك إذا شددت العصبة برباط قوي ، شدا قويا ، صار ما هو أسفل من موضع الشد : عديم الحس. وذلك يدل على أن العصب غير حساس في نفسه ، وإنما يجري إليه الحس من موضع آخر. فثبت : أن الشرايين والأعصاب من جنس واحد.
وأما المقدمة الثانية : وهي في بيان أن الأعصاب والشرايانات ، لما كانت من جنس واحد ، أمكن تولد الأعصاب من الشرايانات : فهو أنا نقول : إن هذا الشرايانات لما انقسمت وتشعبت ، ودقت وصغرت ، ونفدت في الدماغ ، التفّ بعضها على بعض ، وانضمت أجزاؤها واتصلت. فصارت على صورة الأعصاب. وتمام الكلام فيه : أن هذه الشرايين حين انفصلت عن القلب ،