كان يحتاج إليها في أن تكون حاملة للدم والروح الحيواني إلى [جوهر (١)] الدماغ ، فلما صغرت ونفذت في جوهر الدماغ ، وحصل هذا المقصود ، حصل الاستغناء عنها في هذا العمل ، فلا جرم صرفت إلى بعض وصارت على صورة الأعصاب ؛ وبهذا الطريق صارت الشريانات أعصابا. وإذا ثبت هذا ، فنقول : القلب هو المنبت للشريانات ، وهذه الشريانات هي التي تولدت الأعصاب منها ، فحينئذ يكون المنبت للأعصاب ، هو القلب. وهذا قول ذكره «خروسيس (٢)» وكان من أفاضل الحكماء وكان شريكا ل «أرسطاطاليس (٣)» في العلم. ونصرناه نحن بهذه البيانات. وبهذا الطريق يسقط كلام «جالينوس» بالكلية.
واعلم : أن «جالينوس» أجاب عن هذا الكلام من وجهين :
الأول : قال : الدليل على أن الأعصاب ليست من جنس الشريانات.
وجوه :
الأول : إن الشريانات نابضة ، والأعصاب ليست نابضة.
الثاني : إن الشريانات مجوفة ، والأعصاب ليست كذلك.
الثالث : إن الشريانات محتوية على الدم. بدليل أنها إذا ثقبت ، جلب ذلك الثقب على صاحبه من انفجار الدم أمرا صعبا ، والعصب كله لا دم فيه.
الرابع : إن الشريانات مؤلفة من طبقتين : إحداهما : تتحلل إلى أجزاء ذاهبة في العرض على الاستدارة ، والأخرى تتحلل إلى أجزاء تذهب على الاستقامة في الطول. وأما الأعصاب فهي تتحلل إلى ليف أبيض عديم الدم ، ذاهب على الاستقامة في الطول.
الخامس : إنك إذا شددت العصبة ، حصل عدم الحس والحركة
__________________
(١) سقط (م).
(٢) مروستيس (م).
(٣) أرسطو (م).