محتاج إلى شيء آخر ، يضعف حال الاحتياج إليه [فضعف المحتاج إليه] يوجب ضعف المحتاج ، إذ لو بقي كمال المحتاج ، حال نقصان المحتاج إليه ، لكانت صفة المحتاج غنية عن المحتاج إليه. والصفة أضعف من الموصوف ، وإذا حصل الاستغناء في الصفة مع ضعفها ، فبأن يحصل الاستغناء في الذات مع قوتها كان أولى. فثبت : أن كل شيء يفسد بفساد غيره ، وجب أن يظهر فيه النقصان ، بسبب نقصان غيره. فلو كانت تفسد بفساد البدن ، لوجب أن يظهر النقصان في [النفس عند ظهور النقصان في (١)] البدن.
وإنما قلنا : إنه ليس الأمر كذلك ، لوجوه :
الأول : إن المواظبة على الأفكار الغامضة ، والاستغراق فيها يوجب نقصانا شديدا في البدن ، ولم يلزم منه حصول النقصان في النفس البتة ، بل يوجب الكمال العظيم في النفس.
الثاني : إن المواظبة على الرياضة ، وتجويع النفس (٢) والانقطاع عن المحسوسات والجسمانيات ، يوجب النقصان الشديد في البدن ، وذلك لا يوجب نقصان النفس ، بل يوجب حصول الكمال الشديد للنفس.
الثالث : إن النوم يوجب نقصان حال البدن ، فإنه يزول عنه حس السمع والبصر ، والقدرة على المشي والأخذ ، ولا يوجب نقصان حال النفس ، بل يوجب كمال حال النفس. فإنها في هذا الوقت قدرت على الاتصال بعالم الغيب.
الرابع : إن جسد الإنسان من أول الكهولة يأخذ في الانتقاص والذبول ، وعقله [من هذا الوقت (٣)] لا يأخذ في الانتقاص والذبول ، بل كمال عقله ، يبتدئ في التزايد (٤) من هذا الوقت. ولهذا السبب قيل : إن بعثة أكثر الأنبياء
__________________
(١) سقط (ط).
(٢) والتجويع (م).
(٣) من (ل).
(٤) متزايد (م).