الحجة التاسعة : إن العلل العالية منزهة عن البخل ، موصوفة بالجود ، وإفادة الرحمة فامتناعها عن ذلك (١) قبل الدعاء ، يدل على امتناعها في أنفسها. إما بحسب الامتناع الذاتي ، أو لأجل أنها على ضد المصلحة الملائمة (٢) للعالم.
الحجة العاشرة : اتفق جمهور أرباب الرياضيات : على أن الرضا بالقضاء : باب الله الأعظم. والإقدام على الدعاء : خوض في التصرف من غير الإذن. والسكوت بالقلب وباللسان. هو الرضا. فوجب أن يكون هذا هو المنهج الأكمل ، والطريق الأفضل.
فهذا بيان شبهات المنكرين للدعاء.
وأما المعترفون بأن الاشتغال بالدعاء : طريق نافع ، ومنهج مستقيم. فقد ذكروا فيه فوائد :
الفائدة الأولى : إن النفس بمقتضى جوهرها [وموجب فطرتها (٣)] : مجبولة على حب اللذات الجسمانية ، والأغراض العاجلة. وأما الإعراض عن هذه الطريقة ، والإقبال على الله بالكلية ، فعلى خلاف عادتها ، وعلى مناقضة فطرتها.
إذا عرفت هذا فنقول : الداعي إذا اعتقد أن له في الدعاء غرضا. فلأجل تحصيل ذلك الغرض تتوجه النفس إلى جانب جلال الله تعالى ، وتصر وتلح [في ذلك الطلب (٤)] وذلك الإصرار والإلحاح يوجب استغراق النفس في الإقرار بكمال قدرة الله تعالى ، ونفاذ (٥) قدرته ومشيئته في جميع أجزاء العالم الأعلى والأسفل. وبهذا الطريق يحصل للنفس هذه السعادة ، وكلما كانت المواظبة على هذه الطريقة أكثر ، كان الانقطاع عن العالم الأسفل أكثر ،
__________________
(١) ذلك الفعل (م).
(٢) مصلحة العالم (ل).
(٣) سقط (ل).
(٤) سقط (ل).
(٥) ونفاذ مشيئته (ل).