بنوع من النعمة والكرامة. ولما لم نر شيئا من ذلك ، علمنا : أنه لا أصل لهذا الحديث.
وبالجملة : فالاستقراء يدل على أنه لا يتفاوت الحال البتة. لا بسبب الغلو في عداوتهم ، ولا بسبب الغلو في صداقتهم. وذلك يدل على أنه خيال محض.
الحجة الخامسة : إن هؤلاء الجن إن كانوا غير موصوفين بشيء من العقل البتة. فلا فائدة في التقرب إليهم ، وفي طلب الاتصال بهم. لأن المجنون المعتوه لا اعتماد على صداقته ولا على عداوته. وإن كانوا موصوفين بالعقل والفهم والإدراك ، وجب أن يكونوا باحثين عن مسائل الإلهيات والطبيعيات ، متفكرين في الدلائل [والشبهات (١)] وإذا كان الأمر كذلك ، وجب أن [يكون (٢)] ميلهم إلى المخالطة [بالعقلاء الأذكياء من البشر أكثر من ميلهم إلى المخالطة (٣)] بالجهال والأغمار. لكنا لا نرى أحدا من العقلاء المحقين المحققين يدعي ظهور الجن له البتة. وإنما يدعي هذه الواقعة : المجانين والأغمار من الناس [وذلك يدل على أن مدار هذا الباب ، إما على ترويج الأكاذيب على الأغمار ، وإما على الخلل والحيل في الخيالات والأفكار (٤)].
فهذا مجموع ما يمكن أن يقال في إنكار الجن والشياطين.
والجواب عن الحجة الأولى : أن يقال : إن قولكم : «لو كانت الجن والشياطين موجودة لكانت [إما أن تكون جسما كثيفا أو جسما لطيفا : مفرع على أنه لو كان موجودا لكان (٥) جسما. فلم قلتم : إن الأمر كذلك؟ ولم لا يجوز أن يكون جوهرا مجردا قائما بذاته ، وليس بجسم ولا حال في جسم؟ فإنكم ما لم تقيموا الدلالة على فساد هذا القسم ، لم يتم كلامكم.
__________________
(١) فضائل (طا ، ل).
(٢) أن لا يكون (م).
(٣) من (ط ، ل).
(٤) من (طا ، ل).
(٥) سقط (طا ، ل).