السؤال الثاني : سلمنا أنه جسم. فلم لا يجوز أن يكون جسما كثيفا؟ قوله : «لو كان كذلك ، لوجب أن يراه كل أحد ممن له حس سليم» قلنا : هذه المسألة قوية ، سبق الاستقصاء فيها في كتاب «الحس والمحسوس».
السؤال الثالث : سلمنا أنه جسم. فلم لا يجوز أن يكون جسما لطيفا؟ قوله : «لو كان كذلك ، لتمزق وتفرق عند هبوب الرياح الشديدة».
قلنا : هاهنا احتمالات :
أحدها : لم لا يجوز أن يقال : إنها لطيفة. بمعنى أنها شفافة غير ملونة؟ فلا جرم لا تجب رؤيتها عند الحضور ، إلا أنها صلبة في ذواتها قوية في تركيبها ، فلا جرم تبقى مصونة عن التفرق والتمزق.
وثانيها : إن الإنسان. إما أن يكون عبارة عن النفس ، أو عن الجسم. فإن كان الأول فجوزوا مثله في الجن وسقطت هذه الشبهة. وإن كان الثاني ، فحينئذ يجب أن يقال : إنه جسم محفوظ باق من أول العمر إلى آخره ، في داخل هذا البدن المتفرق المتحلل. وبالطريق الذي عقلتم ذلك ، فاعقلوا مثله في بقاء الجن والشياطين مدة طويلة ، مع كونها كثيفة.
وثالثها : أليس أن من المتكلمين من قال : «الإنسان جزء لا يتجزأ في القلب ، وأما سائر أجزاء البدن ، فهي كالآلات» وعلى تقدير أن يكون الإنسان جسما ، فهذا القول أقوى الأقوال. فلم لا يجوز أن يكون الحال في الجن [والشياطين (١)] كذلك؟.
وأما الجواب عن الشبهة الثانية : فهو أن مراتب القدر مختلفة ، فلا يبعد أن يقال : إنهم وإن قدروا على الأفعال الشاقة ، إلا أنه لا قدرة لها على التصرف في أبدان البشر ، إلا بشرط خاص. وعند فقدان ذلك الشرط لا تحصل تلك القدرة.
الجواب عن الشبهة الثالثة : إن ما ذكرتموه معارض بوجه آخر. وهو أن
__________________
(١) سقط (طا) ، (ل).