كونها طبيعية أو قسرية (١)] فبقي أن تكون إرادية ، وهو المطلوب. فإن قيل : هذا الحصر ممنوع. ولم لا يجوز أن يقال : إن الله تعالى يحركها بقدرته ابتداء ، من غير اعتبار حال شيء من الوسائط والقوى؟ أما قوله : «لو لم يختص ذلك الجسم بخاصية ، لأجلها صار أولى بقبول الأثر الخاص ، وإلا لكان اختصاصه من بين سائر الأجسام ، بذلك الأثر المعين : رجحانا لأحد طرفي الممكن على الآخر لا لمرجح. وهو محال» فنقول : كما أن ذلك الجسم اختص بذلك الأثر المعين ، فكذلك اختص بتلك القوة [المخصوصة التي جعلتموها مبدأ لذلك الأثر. فيلزم أن يكون اختصاص ذلك الجسم بتلك القوة (٢)] لأجل قوة أخرى. ويلزم إما الدور وإما التسلسل. وهو محال. وإن عقل أن يختص ذلك الجسم المعين بتلك القوة ، دون سائر الأجسام ودون سائر القوى ، لا لقوة أخرى. فلم لا يعقل مثله في اختصاص ذلك الجسم بذلك الأثر؟
السؤال الثاني : سلمنا الحصر. فلم لا يجوز أن يكون المحرك قوة طبيعية؟ قوله (٣) : «لأنه يقتضي كون الشيء الواحد مطلوبا مهروبا معا. وهو محال» قلنا : لا نسلم أن ذلك محال. ألا ترى أن الحجر حال نزوله يكون ثقله موجبا وصوله إلى نقطة معينة ، ثم عند وصول الحجر إليها ، ثقله يوجب انتقاله عنها. فتلك النقطة قد كانت مطلوبة لتلك الطبيعة. ثم إنها بعينها صار مهروبا عنها. فإذا كان هذا حاصلا في الحركة المستقيمة الواحدة ، فلم لا يجوز مثله في الحركة المستديرة؟ ثم نقول : هذا الذي الزمتموه في الحركة الطبيعة الواحدة ، قائم أيضا في الحركة الإرادية ، فإن الشيء كما أنه يمتنع أن يكون مطلوبا ومهروبا بحسب الطبيعة الواحدة ، فكذلك يمتنع أن يكون مطلوبا مهروبا بحسب الإرادة الواحدة. لأن الهرب الإرادي عن الشيء يمتنع أن يكون هو بعينه نفس الطلب الإرادي لذلك الشيء. فثبت : أن الإشكال الذي ذكرتموه في الطبيعة ، وارد عليكم في الإرادة.
__________________
(١) سقط (ل).
(٢) سقط (م) ، (ط).
(٣) أما قوله لأنه يقتضي (م).