والجواب أن نقول : اختصاص جسم الفلك بالقوة المعينة ، إنما كان لأجل أن هيولى ذلك الفلك مخالفة بالماهية لهيوليات سائر الأفلاك. فتلك الهيولي لما هي هي ، ما كانت مستعدة إلا لتلك القوة المخصوصة. وبهذا الطريق حصل الاستغناء عن قوة أخرى. فإن قالوا : لم لا يجوز أن يكون المقتضى للحركة الفلكية هو تلك الهيولى ، من غير حاجة إلى إثبات قوة أخرى وطبيعية أخرى؟ فنقول : هب أن الأمر كذلك ، إلا أن تأثير تلك الهيولى في تلك الحركة ، إما أن يكون مع الشعور ، أو لا مع الشعور. فإن كان مع الشعور فهو الإرادة. وإن كان لا مع الشعور فهو الطبيعة. ويعود التقرير بتمامه كما تقدم.
وأما قوله : «إن في الحركة المستقيمة أيضا يقتضي كون النقطة الواحدة مطلوبة بالطبع ، ثم تصير متروكة بالطبع» قلنا : هذا بعيد لأن الحجر النازل حال كونه متوجها إلى نقطة واحدة معينة ، لم يكن توجهه إلى تلك النقطة عين هربه عنها [وحال وصول الحجر إلى تلك النقطة يصير هاربا عنها. وهو حال هربه عنها ، غير متوجه إليها (١)] فثبت : أن في الحركة المستقيمة : ليس التوجه إلى الشيء ، عين الهرب منه ، ولا كذلك بالعكس ، بل هو قبل وصوله إلى تلك النقطة ، يكون طالبا لها وغير هارب عنها ، وعند وصوله إليها يكون هاربا عنها ، وغير طالب لها. بخلاف الحركة المستديرة ، فإن بتقدير كونها طبيعية يكون [عين (٢)] الهرب عن تلك النقطة عين الطلب لتلك النقطة المعينة ، وحينئذ يلزم المحال. فظهر الفرق بين الصورتين.
وأما قوله : «ما ذكرتموه في الطبيعة ، فهو لازم عليكم في الإرادة» فنقول : الفرق بين الصورتين : أن الطبيعة قوة واحدة ، ولا يعرض (٣) لها اختلاف أحوال ، وتبدل اعتبارات ، بخلاف الإرادة ، فإنها تابعة لتصورات
__________________
(١) سقط (م).
(٢) سقط (ل).
(٣) ويعرض (ل).