إحداهما على الأخرى ، لأجل العناية بالسافلات [فظهر الفرق.
الحجة الثانية : قال : الدليل الذي دل على أنه يمتنع أن يكون أصل الحركة لأجل العناية بالسافلات (١)] هو أنه لا يمكن أن يستكمل العالي بالسافل. فكل من فعل فعلا لغرض ، فهو مستكمل بذلك الغرض. وهذا الدليل بعينه قائم في تعيين الجهات ، وفي اختيار الكيفيات. وكما بطل الأصل بالعناية بالسافلات ، فكذا القول في الكيفية.
ولمجيب أن يجيب ويقول : إن صريح العقل شاهد بأن كل من كان أكثر أفعاله لأجل رعاية مصالح الغير ، فإنه يكون كالخادم لذلك الغير. وذلك محال في الأفلاك ، بالنسبة إلى عالم العناصر. أما من كانت أفعاله لأجل أغراض عائدة إليه ، ومقاصد راجعة إليه ، ثم إنه اختار منها واحدا ، لأجل أنه أنفع للضعفاء والعاجزين ، فإنه لا يكون هذا الفاعل خادما لأولئك الضعفاء والعاجزين. فظهر الفرق.
فهذا بيان أن هذين الدليلين اللذين ذكرهما الشيخ الرئيس في إبطال قول «ثامسطيوس» في غاية الضعف.
المسألة الخامسة : قد حكينا عن بعضهم : أنهم قالوا : إنه سبحانه وتعالى مبدأ الخير ، وينبوع الرحمة على جميع الممكنات. وهذه الحركات المعينة للأجرام الفلكية ، سبب لنظم هذا العالم [ولعمارته (٢)] فمقصود الأفلاك والكواكب من حركاتها : التشبه بالإله تعالى ، في كونه مبدأ لحصول النظام والخير والرحمة.
واعلم : أن الشيخ أبطل هذا القول. فقال : «الحق الأول لا يقصد شيئا ، بل هو منفرد بذاته ـ باتفاق الفلاسفة ـ فوجب أن يكون التشبه به في أن لا يقصد شيئا. فأما القصد إلى فعل معين. فهذا مباين للشبه به ، إلا أن يقال : المقصود بالقصد الأول : فعل شيء آخر. وهذا النفع إنما حصل
__________________
(١) لا يمكنه (م).
(٢) هذا الكلام (ل).