غير حال في محل ، فمع هذا العلم ، يستحيل أن يقال : الإنسان عبارة عن عرض حال في جسم من الأجسام. وأما القسم الثالث وهو أن يقال : الإنسان عبارة عن (١)] جوهر مجرد، ليس بمتحيز ولا حال في المتحيز. فهذا قول أكثر الحكماء الإلهيين ، وقال به قوم كثير من أهل الملة. أما من الشيعة فقد كان يقول بهذا القول «أبو سهل النوبختي» صاحب كتاب «الآراء والديانات» وكان يقول به «محمد بن النعمان» الملقب عندهم بالشيخ المفيد. وأما من المعتزلة ، فهو قول معمر بن عباد السلمي» وأتباعه [وأما من أهل السنة ، فكان الشيخ «أبو حامد الغزالي» جازما بهذا المذهب ، شديد الاعتقاد فيه (٢)] وأما أكثر المحققين من الصوفية فيقولون بهذا القول.
فإن قال قائل : أعرف المعارف ، وأظهر الظاهرات عند كل أحد : علمه بالشيء المشار إليه بقوله : أنا ، وهو نفسه المعينة ، وذاته المخصوصة ، ولما كان هذا أعرف المعلومات وأظهر المفهومات ، فكيف وقعت فيه هذه الاختلافات العظيمة ، والشبهات الغامضة؟ ورأيت في الرسالة الموسومة بالتفاحة. وهي الرسالة المشتملة على المباحثات التي جرت عند «أرسطاطاليس (٣)» عند قربه من الموت. فقيل له : كيف يعقل أن يسأل الإنسان غيره عن حال نفسه؟ فأجاب الحكيم : بأنه مثل سؤال المريض : الطبيب عن دائه ، وسؤال الأعمى من حوله : عن لونه.
وأقول : نحن نذكر تقرير هذا الإشكال كما ينبغي ، ثم نطلب الجواب عنه.
أما تقرير الإشكال فهو أن نقول : أعرف الأشياء للإنسان نفسه. والدليل عليه : أن علمه بغيره يتوقف على علمه بنفسه [فإني إذا قلت في شيء من الأشياء : إني أعرفه. فهذا حكم على نفسي بكونها عارفة بذلك الشيء (٤)]
__________________
(١) من (طا) ، (ل)
(٢) من (طا ، ل)
(٣) أرسطو (م)
(٤) من (طا ، ل)