وكل تصديق فهو مسبوق بتصوّر الطرفين. ينتج : إني كل ما حكمت على نفسي بأني أعرف شيئا من الأشياء ، فإن معرفة نفسي بنفسي ، سابقة على معرفة ذلك الحكم. فثبت : أن علمي [بنفسي ، سابق على علمي (١)] بكل ما يغايرني. وإذا ثبت هذا ، ظهر أن علمي بنفسي ، أظهر من علمي بكل ما سواها. فلو توسلنا بمعرفة شيء آخر إلى معرفة النفس ، كان هذا من باب تعريف الأظهر الأجلى ، بالأعمق الأخفى. وإنه محال.
وأيضا : لما كان العلم بغير النفس ، مشروطا بالعلم بالنفس ، فلو كانت معرفة النفس مستفادة من شيء آخر ، لزم الدور. وهو محال.
والجواب : إن العلم بوجود النفس من حيث إنها شيء ما غير. والعلم بأنها ما هي على التفصيل والتعيين شيء آخر. والظاهر الجلي هو القسم الأول ، وهو غير المطلوب بالبرهان البتة.
وأما القسم الثاني فهو المطلوب بالبرهان [ومعرفة سائر الأشياء (٢)] غير موقوفة على معرفة النفس ، بحسب هذا الاعتبار (٣) فزال السؤال. فإن قال قائل : السؤال باق. وبيانه من وجهين :
الأول : وهو أن علمي بالحقيقة المخصوصة التي لي يمتنع أن يكون مستفادا من البرهان ، لأن البرهان عبارة عن إثبات الحد الأكبر [للحد الأصغر (٤)] بواسطة الحد الأوسط ، ويجب أن يكون ثبوت الحد الأكبر للحد الأوسط [وثبوت الحد الأوسط (٥)] للحد الأصغر ، أعرف من ثبوت الحد الأكبر للحد الأصغر ، إلا أن هذا المعنى في علم النفس بحقيقته نفسها : محال. لأن من المحال أن يحصل بين الشيء وبين حقيقته المخصوصة: متوسط يتوسط
__________________
(١) من (ل)
(٢) من (ل)
(٣) القسم (طا) ، (ل)
(٤) من (ل)
(٥) من (ل)