بينهما ، أو ثالث يتخللهما. وإذا كان حصول الحد الأوسط هاهنا ممتنعا : كان طلب هذا البحث ممتنعا.
وأيضا : فبتقدير أن يحصل بين الشيء وبين عين ذاته متوسطا ، إلا أنه من المحال أن يكون ثبوت ذلك المغاير لذلك الشيء ، أعرف من ثبوت ذاته لذاته.
فثبت بهذين الوجهين : أنه يمتنع أن يكون هذا المطلوب : مطلوبا بالدليل. فبقي فيه أحد الأمرين. إما أن يكون مأيوسا من إثباته مطلقا. وإما أن يكون معلوما بالضرورة. وأيضا : فإذا سلمتم أن علمي بأني موجود : علم ضروري. فقول القائل : أنا موجود : قضية. موضوعها : قولنا أنا. ومحمولها : قولنا موجود. والتصور سابق على التصديق ، فوجب أن يكون علمي بالمعنى المشار إليه بقولي : «أنا» : حاصلا. وذلك المعنى ليس إلا الماهية المخصوصة ، التي هي «أنا» وإذا كانت هذه الماهية المخصوصة معلومة ، من حيث إنها هي ، امتنع كونها مطلوبة بالبرهان. وأيضا : فالمشار إليه بقولي : «أنا» إما أن يكون [تمام تلك الماهية. وإما أن يكون جزء من أجزاء هذه الماهية. وإما أن يكون أمرا (١)] مغايرا لها خارجا عنها. فإن كان الأول ، كان العلم بماهية نفسي ، علما بديهيا ، فيمتنع كونه مطلوبا بالبرهان. وإن كان الثاني فهو باطل. لأنه يلزمه أن يكون المشار إليه بقولي : «أنا» : جزء من أجزاء ماهيتي. فيكون تمام حقيقة الشيء : جزءا من أجزاء حقيقته ، وهو محال.
وبهذا البيان : يظهر أن المشار إليه بقولي : «أنا» : يمتنع أن يكون خارجا عن الماهية لازما لها. وأيضا : فهب أن هذا القسم معقول في الجملة. إلا أني إن علمت كونه من لوازم نفسي ، كان العلم بنفسي سابقا على هذا العلم ، وإن لم أعلم كونه من لوازم نفسي ، كان علمي بنفسي ، علما بشيء مغاير لنفسي ، ولا تعلّق له بنفسي. وذلك محال.
__________________
(١) من (طا) ، (ل)