السؤال الثاني : إن مذهب الحكماء : أن علم الشيء بذاته ، هو نفسي ذاته.
وفي هذه الصورة يقولون : العقل والعاقل والمعقول : واحتجوا عليه : بأنه : لما ثبت أن تعقل الشيء عبارة عن صورة مساوية للمعقول في ذات العاقل. فنقول : علم الشيء بذاته. إما أن يكون صورة مغايرة لذاته ، حاصلة في ذاته. وإما أن يكون عين ذاته. والأول باطل. وإلا لزم اجتماع المثلين. وذلك محال. ولأن على هذا التقدير لم يكن أحدهما بالحالية ، والآخر بالمحلية أولى من العكس. ولما بطل هذا القسم ، ثبت أن علم النفس بحقيقتها المخصوصة : عين ذاتها. ولما كانت [ذاتها (١)] حاضرة في جميع أوقات دوام تلك الذات ، وجب أن يكون علمها بذاتها المخصوصة ، دائما بدوام ذاتها. وإذا كان الأمر كذلك ، امتنع أن يكون هذا العلم مطلوبا بالبرهان. لأن الحاصل لا يمكن تحصيله ثانيا.
فيثبت بهذه المباحث القوية : أن معرفة جوهر النفس يجب أن تكون معرفة بديهية أولية ، غنية عن [التعريف (٢)] والكسب والطلب. وأنتم قد جعلتموه من المباحث البرهانية ، فكان الإشكال لازما.
والجواب : إن المطلوب بالبرهان : هو أن جوهر النفس : جوهر ليس بمتحيز ، ولا حال في المتحيز. فالمطلوب بالبرهان هو هذا القيد السلبي ، والقيود السلبية أمور مغايرة للذات المخصوصة.
فإن قالوا : هب أن الأمر كذلك ، إلا أن المقتضي لذلك السلب للخصوص هو تلك الحقيقة المخصوصة. فإذا كان العلم [بتلك الحقيقة المخصوصة حاصلا كان العلم (٣)] بعلة ذلك السلب حاصلا [والعلم بالعلة
__________________
(١) سقط (م)
(٢) سقط (ط) ، (ل)
(٣) من (طا) ، (ل)