واعلم : أن دلائل القائلين بأن الملك أفضل من البشر. نوعان : بعضها سمعية ، وبعضها عقلية.
أما السمعية فوجوه :
الأول : قوله تعالى : (وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ ، وَلا يَسْتَحْسِرُونَ. يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) (١) والاستدلال بهذه الآية من وجهين :
الأول : إنه ليس المراد من هذه العندية : عندية المكان والجهة. فإنه محال. بل عندية القرب والشرف. ولما كانت هذه الآية واردة في صفة الملائكة ، علمنا : أن هذا النوع من الشرف حاصل لهم لا لغيرهم.
والثاني : إنه سبحانه وتعالى احتج لعدم استكبارهم ، على أن غيرهم أولى بأن لا يستكبروا. ولو كان البشر أفضل من الملائكة لما تم هذا الاحتجاج. فإن السلطان إذا أراد أن يقرر على رعيته أنه يجب عليهم خدمته وطاعته ، فإنه يقول : الملوك لا يستكبرون عن طاعتي. فكيف هؤلاء المساكين.
وبالجملة : فالمعلوم أن هذا الاستدلال لا يتم إلا بالأكمل على الأدون. ونظير هذه الآية في الدلالة على هذا المطلوب ، قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ ، وَيُسَبِّحُونَهُ ، وَلَهُ يَسْجُدُونَ) (٢)
فإن قيل : الاعتراض على الوجه الأول : أن نقول : إنه تعالى أثبت هذه العندية في الآخرة لآحاد المؤمنين. وهو قوله : (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) (٣) وأما في الدنيا فقال عليهالسلام ، حاكيا عن الله تعالى : «أنا عند
__________________
(١) الأنبياء ١٩ ـ ٢٠.
(٢) آخر الأعراف. وفي سورة فصلت : (فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا. فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ. وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ).
(٣) القمر ٥٥.