المعاصي. وذلك يوجب أن تكون أقوالهم (١) أولى بالقبول من أقوال البشر.
الحجة الثالثة عشرة : قوله تعالى : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا. لا يَتَكَلَّمُونَ ، إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ ، وَقالَ صَواباً) (٢) وجه الاستدلال به : أنه تعالى لما أراد أن يقرر عند الناس كمال عظمته ونهاية جلاله. قال في المرتبة الأولى (رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. وَما بَيْنَهُمَا : الرَّحْمنِ. لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً) (٣) ومعلوم أن السموات والأرض وما بينهما إشارة إلى جملة عالم الأجسام [فبين أن جملة عالم الأجسام (٤)] منقادة خاضعة له ، وأن قدرته ومشيئته نافذة في أعماقها سارية في أجزائها وجزئياتها. ثم إنه لما ذكر ذلك ، قال بعده : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا. لا يَتَكَلَّمُونَ ، إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ ، وَقالَ صَواباً) (٥) فانتقل من الاستدلال بعالم الأجسام على عظمته ، إلى الاستدلال بعالم الأرواح على عظمته. وهذا يدل على أن عالم الروحانيات أشرف وأعلى وأكمل وأفضل من عالم الجسمانيات. ثم لما ذكر الاستدلال على تقرير هذه العظمة بعالم الروحانيات ، لم يذكر بعد ذلك دليلا آخر ، بل قال : (ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُ) (٦) وهو النتيجة فهذا يدل على أن أعظم مخلوقات الله تعالى : عالم الروحانيات ، وأنه لا نسبة لها في الكمال والجلالة إلى عالم الجسمانيات (٧).
الحجة الرابعة عشرة : قوله تعالى : (آمَنَ الرَّسُولُ. بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ) (٨) فبين تعالى أنه لا بد في صحة الإيمان. بهذه الأشياء الأربعة. فبدأ بنفسه ، وثنى بملائكته ، وثلث
__________________
(١) أفعالهم (م).
(٢) النبأ ٣٨.
(٣) النبأ ٣٧.
(٤) سقط (م) ، (ط).
(٥) النبأ ٣٨.
(٦) النبأ ٣٩.
(٧) الروحانيات (م).
(٨) البقرة ٢٨٥.