بالكتب ، وربع بالرسل. وهذا الترتيب في غاية الصحة والفائدة. لأن منبع النور والكمال والرحمة هو الله تعالى. والوسائط هم الملائكة. والقابل لتلك الرحمة هم الأنبياء والرسل. فلا بد أولا من الأصل ، وثانيا من الواسطة وثالثا من حصول تلك الرحمة ، ورابعا من وصولها إلى القابل ، وهم الأنبياء والرسل. وهذا يدل على أن أفضل الموجودات في الشرف [والرتبة هو الله تعالى ، وبعده في المرتبة درجات الملائكة ، وبعدهم في الشرف (١)] تلك الفوائد والأنوار [التي هي الكتب. وفي آخر الدرجات : الأرواح البشرية التي لما وصلت إليها تلك الفوائد والأنوار (٢)] سعدت بها ، وكملت فضائلها بسببها.
الحجة الخامسة عشر : قوله : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ : لا إِلهَ إِلَّا هُوَ. وَالْمَلائِكَةُ. وَأُولُوا الْعِلْمِ) (٣) فقدم (الْمَلائِكَةُ) على أولي العلم : تنبيها على أن علم الأنبياء من زمرة البشر ، إنما حصل من فيض أنوار الملائكة. فهم الأصول ، والبشر كالفروع. ويقرب منه قوله : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) (٤) وهذا تنبيه على أن أنوار السعادات ، إنما تظهر من بحار رحمة الله تعالى ، ولكنها لا تصل إلى النفوس البشرية ، إلا بواسطة الملائكة ، فكل فضيلة ومنقبة إلى البشر فبحارها ومعادنها عند الملائكة وقطراتها المختصرة وصلت إلى البشر.
الحجة السادسة عشرة : إنا نتكلم في جبريل ومحمد عليهماالسلام.
فنقول : إن جبريل أفضل من محمد ، لقوله تعالى : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ. ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ. مُطاعٍ. ثَمَّ أَمِينٍ. وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ) (٥) وصف الله تعالى جبريلعليهالسلام بستة من صفات الكمال.
إحداها : كونه رسولا من الله إلى غيره. وثانيها : كونه كريما على الله.
__________________
(١) من (طا ، ل).
(٢) من (طا ، ل).
(٣) آل عمران ١٨.
(٤) الأحزاب ٥٦.
(٥) التكوير ١٩ ـ ٢٢.