وثالثها : كونه ذا قوة عند الله [على أداء الطاعات ، والبعد عن المحظورات ، بحيث لا يقوى عليها غيره. ورابعها : كونه مكينا عند الله (١)] وخامسها : كونه مطاعا في عالم السموات. وسادسها : كونه أمينا في تبليغ الوحي والرسالة. ثم إنه سبحانه بعد أن وصف جبريل عليهالسلام بهذه الصفات [العالية (٢)] وصف محمدا عليهالسلام بقوله : (وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ) (٣) ولو كان محمد مساويا في صفات الفضل أو مقاربا لجبريل ، لكان وصف محمد بهذه الصفة ، بعد وصف جبريل بتلك الصفات تحقيرا لشأن محمد ، وإبطالا لحقه. وذلك غير جائز.
فدلت هذه الآية على أنه ليس لمحمد عند جبريل من المنزلة ، إلا مقدار أنه يقال : إنه ليس بمجنون. وذلك على أنه لا نسبة لأحدهما إلى الآخر في الفضل والدرجة.
الحجة السابعة عشر : قوله تعالى : (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ : إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ. فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ) (٤) وهذه الآية تدل على أنهم بلغوا في الرفعة والجلالة ، إلى أنهم لو خالفوا الله في أمر من الأمور ، لما حصلت تلك المخالفات ، إلا بادعاء الإلهية ، لا بشيء آخر من متابعة الشهوات. وذلك يدل على غاية جلالتهم ورفعتهم.
الحجة الثامنة عشر : قول الله تعالى : (حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ. قالُوا : ما ذا قالَ رَبُّكُمْ؟ قالُوا الْحَقَ) (٥) وهذا الاستدلال بحصول الفزع في قلوبهم يدل على أن حصول هذا الفزع بالبشر أولى. وذلك يدل على الفضيلة.
الحجة التاسعة عشر : قوله عليهالسلام حكاية عن الله تعالى «وإذا
__________________
(١) من (طا ، ل).
(٢) من (ل).
(٣) التكوير ٢٢.
(٤) الأنبياء ٢٩.
(٥) سبأ ٢٣.