الصحيح بل وأن يحفظ أكثر من بيت من شعر شعراء العرب الذي يجري على لسانه بعض أبيات على نمط الشعر المتواتر وبين مدى الجملة القرآنية. وأن نفي ذلك عنه غير متّسق مع طبيعة الأشياء من حيث إن النبي كان يعيش حياة العرب التي كان للشعر فيها حيّز كبير. وإن المدى الأوجه والأصح للجملة على ضوء ما تلهمه آيات سورة الشعراء التي أوردناها وشرحناها قبل قليل هو أن النبي صلىاللهعليهوسلم قد صرف عن معاطاة الشعر وأن ذلك لا يتناسب مع مهمة وجلال النبوّة.
ولقد أورد البغوي في سياق تفسير آيات سورة الشعراء [٢٢١ ـ ٢٢٧] حديثا رواه بطرقه عن أبي هريرة جاء فيه : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا يريه خير من أن يمتلئ شعرا». وإذا صحّ هذا الحديث فهو متّصل بما يتصف به شعر معظم الشعراء من كذب وبعد عن محجة العقل والحق فيما هو المتبادر.
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ (٧١) وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ (٧٢) وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ (٧٣)) [٧١ الى ٧٣]
(١) الأنعام : تطلق على الإبل والبقر والغنم.
(٢) ذلّلناها : سخرناها أو أخضعناها.
في الآيات تذكير استنكاري للسامعين بالأنعام التي سخّرها الله لهم لينتفعوا بها في مختلف وجوه النفع من ركوب وأكل وشرب ولبس ، وتنديد بهم لعدم شكرهم على نعمه والاعتراف بفضله وربوبيته.
وفي الآيات عود على بدء في التنديد بالكافرين والمكذّبين وربط للسياق ، كأنما فصول مشهد الآخرة وما بعدها جاءت استطرادية. وهكذا تتصل فصول السورة ببعضها وتبدو صورة رائعة من صور التساوق في النظم القرآني.
ولقد كانت الأنعام من أهمّ ما ينتفع به العرب. فجاء التذكير بنعمة الله عليهم