وقد أمرت الفقرة الأخيرة النبي صلىاللهعليهوسلم بالرد على الكفار واستنكاره لهذه المطالب وتوكيده أنه ليس إلّا بشرا أرسله الله ليبلغهم دعوته ويهديهم إليه ، وأسلوبها قوي أخّاذ ، وقد انطوى فيها قصد التوكيد بأن النبي صلىاللهعليهوسلم ليس له أي تصرف في الكون وأي قدرة على خرق النواميس.
(وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاَّ أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً (٩٤) قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً (٩٥) قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٩٦)) [٩٤ الى ٩٦]
الآيات متصلة بما سبقها اتصال تعقيب واستطراد كما هو المتبادر. وقد احتوت أولاها تعليلا لعدم إيمان أكثر الناس بما جاءهم أنبياؤهم به من الهدى وهو استغرابهم أن يكون رسول الله إليهم من البشر وعدم تصديقهم بذلك ، واحتوت ثانيتها بيانا لحكمة الله وسنته حيث اقتضتا أن يكون رسله من جنس المرسل إليهم ، فلو كان من سكان الأرض ملائكة لأرسل إليهم رسولا ملكا. وإنما أرسل رسولا بشرا إليهم لأنهم بشر مثله حتى يتمكن من مخاطبتهم ومساجلتهم وليس في هذا ما يستوجب الاستغراب والإنكار ، أما الآية الثالثة فقد أمرت النبي صلىاللهعليهوسلم بأن يعلن جعله الله تعالى شهيدا وحكما بينه وبينهم ، فهو الأعلم بأمر عباده وما هم عليه ومن هو المحق ومن هو المبطل ، وقد جاءت بأسلوب انطوى فيه الاطمئنان بشهادة الله وتقرير كون النبي صلىاللهعليهوسلم هو الصادق المحق الداعي إلى الحق والهدى ، وهذا الأسلوب القوي النافذ قد تكرر كثيرا في معرض الجدل مع الكفار وإفحامهم.
والآية الأولى مطلقة حيث تشمل الناس في زمن النبي صلىاللهعليهوسلم والأمم السابقة التي حكت آيات كثيرة استغرابهم من إرسال الله رسله من البشر وجحودهم رسالاتهم ، منها آيات سورة المؤمنون هذه (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ ، فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٢٣) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلَّا بَشَرٌ