فذكر نكاح الأمة إجمالا ، وفصل هنا شروطه (١).
ومنها : أنه ذكر الصّداق في البقرة مجملا بقوله تعالى : (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً) [الآية ٢٢٩]. وشرحه هنا مفصّلا (٢).
ومنها : أنه ذكر هناك الخلع ، وذكر هنا أسبابه ودواعيه ، من النشوز وما يترتب عليه ، وبعث الحكمين (٣).
ومنها : أنه فصّل هنا من أحكام المجاهدين ، وتفضيلهم درجات ، والهجرة ، ما وقع هناك مجملا ، أو مرموزا إليه (٤).
وفيها من الاعتلاق بسورة الفاتحة :
تفسير : (الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ).
بقوله تعالى : (مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ) [الآية ٦٩].
وأما وجه اعتلاقها بآل عمران فمن وجوه :
منها : أن آل عمران ختمت بالأمر بالتقوى ، وافتتحت هذه السورة به (٥).
وهذا من أكبر وجوه المناسبات في ترتيب السّور ، وهو نوع من البديع يسمّى : تشابه الأطراف.
ومنها : أن سورة آل عمران ذكرت فيها قصة أحد مستوفاة ، وذكر في هذه السورة ذيلها ، وهو قوله : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ) [الآية ٨٨]. فإنها نزلت لما اختلف الصحابة في من رجع من
__________________
(١). وذلك في قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ) [الآية ٢٥].
(٢). وذلك في قوله تعالى : (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً) [الآية ٢٠] إلى (وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) (٢١).
(٣). قال عن الخلع في البقرة : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) [الآية ٢٢٩]. وهنا قال : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ) [الآية ٣٤] إلى (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها) [الآية ٣٥]. وهذا في أسباب الخلع.
(٤). قال هنا : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) [الآية ٩٥] إلى (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (٩٩). وقال هناك : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ) [البقرة / ١٥٤] ؛ (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) [البقرة / ٢١٦]. (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ) [البقرة / ٢١٨].
(٥). ختمت آل عمران بقوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). وافتتحت النساء بقوله سبحانه : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ).