عمران في المتشابه (١) : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) ، قال هنا : (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) [الآية ١٦٢].
ومنها : أنه لما قال في آل عمران : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) [آل عمران / ١٤] ، فصّل هذه الأشياء في السورة التي بعدها على نسق ما وقعت في الآية ، ليعلم ما أحل الله من ذلك فيقتصر عليه ، وما حرّم فلا يتعدّى إليه ، لميل النفس إليه.
فقد جاء في هذه السورة أحكام النساء ، ومباحاتها (٢) ، للابتداء بها في الآية السابقة في آل عمران ، ولم يحتج إلى تفصيل البنين ، لأن تحريم البنين لازم ، لا يترك منه شيء كما يترك من النساء ، فليس فيهم مباح فيحتاج إلى بيانه ، ومع ذلك أشير إليهم في قوله : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) (٩).
ثم فصّل ، في سورة المائدة ، أحكام السراق ، وقطاع الطريق (٣) ، لتعلقهم بالذهب والفضة الواقعين في الآية بعد النساء والبنين. ووقع في سورة النساء إشارة إلى ذلك في قسمة المواريث.
ثم فصّل ، في سورة الأنعام ، أمر الحيوان والحرث ، وهو بقية المذكور في آية آل عمران. فانظر إلى هذه اللطيفة التي من الله بإلهامها!
ثم ظهر لي أن سورة النساء فصل فيها ذكر البنين أيضا ، لأنه لما أخبر بحب الناس لهم ، وكان من ذلك إيثارهم على البنات في الميراث ، وتخصيصهم به دونهن ، تولى قسمة
__________________
(١). المتشابه في القرآن يأتي على معنيين : أولهما المتماثل في اللفظ ، وهو غير مراد هنا ، والثاني ما جاء مؤيدا للواجبات بأصله ، رادّا بوصفه ، فتشابه على السامع من حيث خالف حجة العقل من وجه دون وجه (الأمد الأقصى ١٢٠ أ).
(٢). وذلك من قوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ) [الآية ٢٢] إلى قوله : (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً) (٢٧).
(٣). وذلك بقوله تعالى في المائدة : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا) [الآية ٣٣].