يدفعني إلى وقفة خاصة ، إلا استعمال «لئن».
قال النحاة : إن اللام موطئة للقسم ، وهذا يعني أن الجواب في هذه الجملة الإنشائية ينبغي أن يكون جوابا للقسم ، وإذا كان جوابا للقسم فقد يكون مؤكدا بالنون إن كان مثبتا مستقبلا مقترنا بلام القسم كما هي الحال في الآية نفسها (لَيَقُولَنَ).
أقول : وعلى هذا جرى الأسلوب القرآني وذلك في قوله تعالى :
(وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي) [فصّلت / ٥٠].
(لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ) [مريم / ٤٦].
(وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) (١٢٦).
(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) [إبراهيم / ٧].
(وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم / ٧].
وآيات أخرى جرت على هذا الأسلوب ، وهو كون الجواب للقسم لا للشرط. وعلى هذا جرى أسلوب الفصحاء في الجاهلية والإسلام ، حتى إذا جاء العصر العباسي ، وجدنا تحوّلا عن هذا الأسلوب وهو كون الجواب للشرط بدليل اقترانه بالفاء. ومن الشعراء العباسيين الذين جروا على هذا الأسلوب أبو نواس ، والسّريّ الرفّاء ، ومسلم بن الوليد ، والشريف الرّضي وغيرهم. ولكننا نجد أبا تمام والمتنبي قد اتبعا الأسلوب الفصيح الذي استقريناه في الآيات الكريمة ، على أننا نجد البحتري قد اتبع الأسلوبين ، وها نحن نعرض نماذج من أقوال أبي تمام والشريف الرضي والبحتري.
قال أبو تمام من قصيدة يمدح بها حبيش بن المعافى (١) :
لئن ظمئت أجفان عين إلى البكا ، |
|
لقد شربت عيني دما فتروّت |
وقال من قصيدة يمدح بها الفضل بن صالح الهاشمي (٢) :
لئن قليبك جاشت بالسماحة لي |
|
لقد وصلت بشكري حبل مائحها |
__________________
(١). «ديوان أبي تمام» (ط بيروت ١٨٨٧) ص : ٥٨.
(٢). المصدر السابق ص ٦٩.