وقال تعالى : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) (١) [البقرة / ٢٨٦].
ولكنك تجد «الاكتساب» دالا على الكسب الحلال في قوله تعالى :
(لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) [الآية ٣٢].
أقول : في هذا العرض لهذه الآيات بيان في عموم اللفظ ، وخصوصه لأداء المعنى ، وقد يكون ذلك أجزى وأوفى من التخصيص والتقييد ، وقد كنا أشرنا إليه.
١٢ ـ وقال تعالى : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً) (١٧٢).
والمعنى : لن يأنف المسيح ، ولن يذهب بنفسه عزّة ، من نكفت الدمع إذا نحّيته عن خدّك (٢).
وقال الأزهري : سمعت المنذريّ يقول : سمعت أبا العبّاس ، وقد سئل عن الاستنكاف في قوله تعالى : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ) فقال : هو أن يقول : لا ، وهو من النّكف والوكف.
يقال : ما عليه في ذلك الأمر نكف ولا وكف ، فالنكف أن يقال له سوء.
واستنكف ونكف إذا دفعه وقال : لا (٣).
وعند المفسرين : الاستنكاف والاستكبار واحد.
أقول : والفعل «استنكف» من الأفعال المستعملة في العربية المعاصرة ، ولكن المعنى شيء آخر فيقال : استنكف فلان عن المشاركة في الأمر ، أي : عدل وتنحّى ، واستنكف عن «التصويت» في مجلس النواب ، أي : عدل وانصرف.
ولكننا نجد هذا الفعل في العامية الدارجة في الحواضر العراقية مستعملا كما أشارت إليه الآية الكريمة ، فابن
__________________
(١). قد يقال : إن الفعل المجرد في هذه الآية انصرف إلى الخير ، في حين أن المزيد انصرف إلى الشر ، وهذا صحيح ، ولكني أقول : إن هذا الانصراف لم يكن من البناء في كل منهما ، بل هو من استعمال حرف الخفض اللام في الأول ، و «على» في الثاني كقوله : ما له وما عليه ، واستقراء الآيات ينفي هذا الاختصاص المزعوم.
(٢). «الكشاف» ١ / ٥٩٤.
(٣). «التهذيب» (نكف).