وأحباؤه. وقد بيّن الله لهم حقيقة الأمر ، وهي أنّهم بشر ممن خلق الله ، لا مزية لهم على سائر البشر ، في أنفسهم وذواتهم ، إنما يمتاز بعضهم على بعض بالعلوم الصحيحة ، والأخلاق الكريمة ، والأعمال الصالحة ، لا بالنسب والانتماء ، إلى الأنبياء والصالحين ، وصدق القائل :
كن ابن من شئت واكتسب أدبا يغنيك محموده عن النسب إن الفتى من يقول ها أنذا ليس الفتى من يقول كان أبي وقد وجّه الله الخطاب لأهل الكتاب عامة ، بأن الرسول (ص) ، قد جاء ليكشف لهم عن كثير مما كانوا يخفونه ، من كتاب الله الذي استحفظوا عليه ، فنقضوا عهدهم مع الله فيه ، ويعفو عن كثير مما أثقلهم به الله من تكاليف ، وحرمه عليهم من طيبات ، عقابا لهم على مخالفتهم وانحرافاتهم.
فالفرصة إذن سانحة ليتداركوا ما فات ولينجوا مما كتب عليهم في الدنيا والآخرة عقابا لهم على الخلاف والأخلاف :
(يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (١٥) يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (١٦).
وتوالى نداء القرآن لأهل الكتاب ليقطع حجّتهم ومعذرتهم أن يقولوا : إن فترة كبيرة مرت عليهم ، لم يأتهم فيها بشير يقربهم إلى الله ، أو نذير يخوفهم الانحراف ، فها هو ذا بشير ونذير :
(يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١٩).
وقد وصفت سورة المائدة التوراة والإنجيل أحسن وصف ، وذكرت من أخبار التوراة قصّة ابني آدم بالحق ، ومن أحكامها عقوبات القتل وإتلاف الأعضاء والجروح ومن أخبار الإنجيل والمسيح ، ما هو حجّة على الفريقين وبينت أن الكتابين أنزلا نورا وهدى للناس وأنهم لو كانوا أقاموهما لكانوا في أحسن حال ، ولسارعوا إلى الإيمان