خبره المحذوف جملة معطوفة على جملة قوله سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) ولا محل لها كما لا محلّ للتي عطفت عليها ، فإن قلت : ما التقديم والتأخير إلّا لفائدة ، فما فائدة هذا التقديم؟ قلت : فائدته التنبيه على أن الصابئين أبين هؤلاء المعدودين ضلالا ، وأشدّهم غيّا ، وما سمّوا صابئين إلّا لأنّهم صبئوا عن الأديان كلها. أي : خرجوا (١) .... وفي حاشية الشيخ أحمد بن المنير الإسكندري المسماة (الانتصاف) جاء : ...... ولكن ثمّ سؤال متوجّه ، وهو أن يقال : لو عطف «الصابئين» ونصبه كما قرأ ابن كثير لأفاد أيضا دخولهم في جملة المتوب عليهم ، ولفهم من تقديم ذكرهم على النصارى ما يفهم من الرفع من أن هؤلاء الصابئين ، وهم أوغل الناس في الكفر يتاب عليهم ، فما الظنّ بالنصارى ، ولكان الكلام جملة واحدة بليغا مختصرا ، والعطف إفرادي ، فلم عدل عن النصب إلى الرفع وجعل الكلام جملتين. (٢) .....
أقول : ما كان أغنانا عن هذه التوجيهات والأقوال النحوية التي لا تخلو من التعسّف والتكلّف ، لو أخذنا بقراءة أبيّ وابن كثير على نصب «الصابئين» ، وهل من حاجة إلى هذه التأويلات لنجري هذه القراءة المشهورة التي ثبتت في المصحف ، ولم يكتب للقراءة الأخرى هذه الشهرة؟
أقول هذا لأني أجد مثل هذه القراءة المرفوضة ، أي : على النصب في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [البقرة / ٦٢].
وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [الحج / ١٧].
أترى الزمخشري وغيره من المفسرين والنحاة ، كانوا قد اتبعوا الأسلوب الذي سلكوه في توجيه «الصابئون» ، أي الآية التي هي موضع درسنا. ولو أن قراءة شاذة قد وردت في هاتين الآيتين من سورتي البقرة والحج ، فجاءت كلمة «الصابئين» ،
__________________
(١). «الكشاف» ١ / ٦٦٠ ـ ٦٦١.
(٢). المصدر السابق.