فهذا كقوله تعالى : (لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) [الأعراف / ٩٦].
وقوله تعالى : (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ) [الآية ٨٩]. على قراءة من قرأ عقدتم ، وعقّدتم بالتخفيف والتشديد ، دون من قرأ عاقدتم. فهذه استعارة. والمراد بها ، تأكيد الأيمان ، حتى تكون بمنزلة العقد المؤكد ، والحبل المحصد. أو يكون المراد ، أنكم عقدتموها على شيء ، خلافا لليمين اللغو ، التي ليست معقودة على شيء ، لأنّ الفقهاء يسمّون اليمين التي على المستقبل ، يمينا معقودة ، فهي التي يتأتى فيها البرّ والحنث ، وتجب فيها الكفّارة. واليمين على الماضي عندهم ضربان : لغو ، وغموس ، فاللغو كقول القائل : والله ما فعلت كذا. وفي شيء يظنّ انه لم يفعله ، وو الله لقد فعلت كذا. في شيء يظنّ أنه قد فعله.
فهو اليمين على الماضي إذا وقعت كذبا. نحو قول القائل : والله ما فعلت. وهو يعلم انه قد فعل. وو الله لقد فعلت. وهو يعلم انه لم يفعل. فهذه اليمين كفّارتها التوبة والاستعفار لا غير. وقوله تعالى : (لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ) [الآية ٩٤]. وهذه استعارة : لأنّ الفارس هو الذي ينال القنيص برمحه. ولكن الرمح ، لما كان مباشرا ، حسن لهذه الحال أن يسمى نائلا.
وقوله تعالى : (ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها) [الآية ١٠٨]. وهذه استعارة. لأن الشهادة لا وجه لها. وإنّما المراد أن يأتوا بالشهادة على جليتها وحقيقتها. وخبّر تعالى عن ذلك بالوجه لأن به تعرف حقيقة الجملة ، ويفهم كنه الصورة ، كما قلنا فيما تقدّم. وهذه من الاستعارات البديعة.
وقوله تعالى حاكيا عن المسيح (ع) : (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) [الآية ١١٦]. وهذه استعارة. لأن القديم سبحانه لا نفس له. والمراد : تعلم ما عندي ولا اعلم ما عندك ، وتعلم حقيقتي ولا أعلم حقيقتك ، أو تعلم مغيبي ولا أعلم مغيبك. فكأن فحوى ذلك : تعلم ما أعلم ولا اعلم ما تعلم. وقد استوفينا الكلام على ذلك في (حقائق التأويل).