نزلت عقب «الزمر» ، وأنها نزلت متتاليات كترتيبها في المصحف : «المؤمن» ، ثم «السجدة» ، ثم «الشورى» ، ثم «الزخرف» ، ثم «الدخان» ، ثم «الجاثية» ، ثم «الأحقاف». ولم يتخلّلها نزول غيرها. وتلك مناسبة جليّة واضحة في وضعها هذا.
ثم ظهر لي لطيفة أخرى ، وهي : أنه في كل ربع من أرباع القرآن توالت سبع سور مفتتحة بالحروف المقطعة. فهذه السبع مصدرة ب (حم) وسبع في الربع الذي قبله ذوات (الر) الست متوالية ، و (المص) الأعراف ، فإنها متّصلة ب «يونس» على ما تقدمت الإشارة إليه. وافتتح أول القرآن بسورتين من ذلك ، وأول النصف الثاني بسورتين (١).
وقال الكرماني في «العجائب» (٢) : ترتيب الحواميم السبع لما بينها من التشاكل الذي خصت به ، وهو : أن كل سورة منها استفتحت بالكتاب أو وصفه ، مع تفاوت المقادير في الطول والقصر ، وتشاكل الكلام في النظام.
قلت وانظر إلى مناسبة ترتيبها ، فإن مطلع غافر مناسب لمطلع الزمر ، ومطلع فصلت التي هي ثانية الحواميم مناسب لمطلع هود ، التي هي ثانية ذوات (الر) ومطلع الزخرف مؤاخ لمطلع الدخان ، وكذا مطلع الجاثية لمطلع الأحقاف (٣).
__________________
(١). كان حق الكلام (بسبع سور) فنصف القرآن بالآيات في سورة الشعراء (الإتقان : ١ / ٢٤٣). وعليه يكون نصف القرآن مفتتحا بالشعراء ، وأولها (طسم) ، والنمل ، (طس) ، والقصص (طسم) ، والعنكبوت (الم) ، والروم (الم) ، ولقمان (الم) ، والسجدة (الم). وإذا اعتبرنا النصف المعروف لنا فالسورتان هما (مريم ، وطه).
(٢). هو كتاب «لباب التفسير وعجائب التأويل» لتاج القراء محمود بن حمزة بن نصر الكرماني (خط). ولم نعثر عليه مخطوطا ولا مطبوعا ، انظر (معجم الأدباء ١٩ / ١٢٥). وقد ذكره الكرماني في (أسرار التكرار في القرآن ص ١٨).
(٣). مطلع الزمر : (تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ*) (١) ومطلع غافر : (تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (٢). ومطلع هود (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ) [هود / ١]. ومطلع فصّلت : (كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) [فصّلت / ٣]. وهكذا جميع المطالع التي ذكرها المؤلف.