وتذكّرنا الآيات بجهود الأم وفضلها في الحمل والولادة والرضاع.
«إنّ البويضة بمجرد تلقيحها بالخلية المنوية ، تسعى للالتصاق بجدار الرحم وهي مزوّدة بخاصّية تمزيق جدار الرحم الذي تلتصق به ، فيتوارد دم الأم الى موضعها حيث تسبح هذه البويضة دائما في بركة من دم الأم الغني بكل ما في جسمها من خلاصات ، وتمتصّه لتحيا به وتنمو وهي دائمة الأكل لجدار الرحم ، دائمة الامتصاص لمادة الحياة ، والأم المسكينة تأكل وتشرب ، وتهضم وتمتص ، لتصبّ هذا كلّه دما نقيا غنيا لهذه البويضة الشرهة النهمة الأكول.
وفي فترة تكوين عظام الجنين يشتد امتصاصه للجير من دم الأم فتفتقر الى الجير ، ذلك أنها تعطي محلول عظامها في الدم ليقوم به هيكل هذا الصغير ، وهذا كله قليل من كثير.
ثم الوضع وهو عملية شاقة ، ممزّقة ، ولكن آلامها الهائلة كلّها لا تقف في وجه الفطرة ، ولا تنسى الأم حلاوة الثمرة ، ثمرة تلبية الفطرة ، ومنح الحياة نبتة جديدة تفيض وتمتدّ ، بينما هي تذوي وتموت.
ثم الرضاع والرعاية ، حيث تعطي الأم عصارة لحمها وعظمها في اللبن ، وعصارة قلبها وأعصابها في الرعاية ، وهي ، مع هذا وذلك ، فرحة سعيدة ، رحيمة ودود. لا تملّ أبدا ، ولا تراها كارهة لتعب هذا الوليد ، وأكبر ما تتطلع إليه من جزاء : أن تراه يسلم وينمو ، فهذا هو جزاؤها الحبيب الوحيد» (١).
وقد تكررت وصية القرآن للأبناء ببرّ الآباء ، لأنّ الوالدين قدّما كل شيء ، كالنبتة التي ينمو بها النبات فإذا هي قشّة ، وكالبيضة التي ينمو منها الكتكوت فإذا هي قشرة.
ومن الواجب رد الجميل والعرفان بالفضل لأهله ، وأن يحسن الإنسان الى أصله وأن يدعو لهما ، وهو نوع من تكافل الأجيال. قال تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ
__________________
(١). في ظلال القرآن ٢٦ / ٢١.