وصدّوا عن سبيله فأضلّ أعمالهم ، وأن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد (ص) غفر ما كان من شركهم وأصلح بالهم ، لأنّ الكفار اتّبعوا الباطل والمؤمنين اتّبعوا الحق من ربّهم ؛ ثم أمر جلّ وعلا بقتال الكفّار حتّى يثخنوهم بالقتل والجراح ، فإذا أثخنوهم شدّوا وثاقهم بالأسر ، وهم مخيّرون بعد هذا في إطلاقهم بفداء أو من غير فداء ؛ ثم وعد الذين يقتلون منهم في سبيله حسن الأجر في الآخرة ، والذين يبقون منهم بالنصر على أعدائهم ؛ وأوعد الكفّار بالهزيمة والهلاك وضياع الأعمال ، ثم مضى السياق في هذا الترغيب والترهيب إلى أن انتقل منه إلى الحديث عن المنافقين فألحقهم بأولئك الكفّار ، وذكر أنّ الله سبحانه طبع على قلوبهم فاتّبعوا أهواءهم ولم يجاوز إسلامهم حناجرهم ، وأن الذين أخلصوا في إيمانهم زادهم الله هدى الى هداهم ، وأن هؤلاء المنافقين لا يتوقع منهم الإيمان إلّا أن تأتيهم الساعة بغتة ، وها هي ذي قد قربت وجاءت علاماتها ، ولكنّ التوبة عندها لا تنفع صاحبها. ثم ذكر السياق ، أن الله عزوجل أمر النبي (ص) أن يستمر هو والمؤمنون على الإخلاص في توحيده ، لأنه يعلم متقلّبهم ومثواهم ، حتّى لا يكونوا كهؤلاء المنافقين في مخالفة باطنهم لظاهرهم.
ثم أخذ السياق في ذم هؤلاء المنافقين على تقاعسهم عن القتال في سبيل الله جبنا وخوفا ، وذكر أنهم إن تولّوا عن القتال في سبيله سبحانه فإنهم يعودون إلى ما كانوا عليه من الفساد في الأرض ، فيغير بعضهم على بعض ، ويقابل ذوو الأرحام بعضهم بعضا ، كما كان بين الأوس والخزرج ؛ ثم ذكر تعالى أنّه أصمّهم وأعماهم فلا يتدبّرون ذلك ، بل يتّبعون ما يسوّله الشيطان لهم ، وما وعدوا به أهل مكة من الكفّ عن قتالهم ؛ ثم توعّدهم جل جلاله ، بقوله (وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ) (٣٠) [الآية ٣٠].
ثم ختمت السورة بمثل ما بدئت به من التحريض على القتال ، فذكر تعالى أنه سيبلوهم به ليعلم المجاهدين والصابرين منهم ، ووعدهم بأنه لن يمكّن أعداءهم من أن يضرّوهم ؛ ثمّ نهاهم أن يهنوا في القتال ويدعوا إلى السّلم وهم الأعلون ، وقد وعدهم