أعمالكم مع أن الأعمال إنّما تحبط بالكفر لا بغيره من المعاصي ، ورفع الصوت في مجلس النبي (ص) ليس بكفر ؛ وقد روي أن الآية نزلت في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لمّا رفعا صوتيهما بين يدي رسول الله (ص) ؛ وأنها نزلت في ثابت بن قيس بن شماس وكان جهوريّ الصّوت ، فربما تأذّى رسول الله (ص) بصوته؟
قلنا : معناه لا تستخفّوا به ، فإن الاستخفاف به ربّما أدى خطأه الى عمده ، وعمده كفر يحبط العمل. وقيل حبوط العمل مجاز عن نقصان المنزلة وانحطاط المرتبة.
فإن قيل : ما وجه الارتباط والتعلق بين قوله تعالى : (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ) [الآية ٧] وبين ما قبله؟
قلنا : معناه فاتركوا عبادة الجاهلية ، فإن الله تعالى لم يترككم عليها ، ولكن الله حبّب إليكم الإيمان. وقيل معناه فتثبّتوا في الأمور كما يليق بالإيمان ، فإن الله حبّب إليكم الإيمان.
فإن قيل : إن كان الفسوق والعصيان بمعنى واحد ، فما فائدة الجمع بينهما ، وإن كان العصيان أعم من الفسوق فذكره مغن عن ذكر الفسوق لدخوله فيه فما فائدة الجمع بينهما؟
قلنا : قال ابن عباس رضي الله عنهما : المراد بالفسوق هنا الكذب ، وبالعصيان بقية المعاصي ، وإنما أفرد الكذب بالذكر لأنه سبب نزول الآية.
فإن قيل : كيف يقال إن الإيمان والإسلام بمعنى واحد ، والله سبحانه وتعالى يقول : (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) [الآية ١٤].
قلنا : المنفي هنا الإيمان بالقلب بدليل قوله تعالى : (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) [الآية ١٤] يعني لم تصدّقوا بقلوبكم (وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) [الآية ١٤] أي استسلمنا وانقدنا خوف السيف ؛ ولا شكّ في الفرق بين الإيمان والإسلام بهذا التفسير ، والذي يدّعي اتحادهما لا يريد به أنهما حيث استعملا كانا بمعنى واحد ، بل يريد به أن أحد معاني الإيمان هو الإسلام.
فإن قيل : كيف يقال إن العمل ليس