النفس الانسانية لمختلف المؤثّرات ، رغبة الهداية والإصلاح. قال تعالى : (وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً) (١١٣) [طه].
وقد عرضت سورة «ق» لمشاهد القيامة ، وفي مقدّمتها حضور سكرة الموت فجأة ، بلا مقدّمات ، والموت طالب لا يملّ الطّلب ، ولا يبطئ الخطى ، ولا يخلف الميعاد : (ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) (١٩) أي تهرب وتفزع ، والآن تعلم أنه حق لا مهرب منه ولا مفرّ. وتنتقل الآيات من سكرة الموت الى وهلة الحشر وهول الحساب ، وهي مشاهد تزلزل الكبرياء الجامح ، وتحارب الغرور والطغيان ، وتدعو للتّقى والإيمان. فملك الموت ينفخ في الصور ، فيقوم الناس من القبور ويهرع الجميع الى الحساب ، وتأتي كلّ نفس ومعها سائق يسوقها ، وشاهد يشهد عليها ، وقد يكونان هما الملكين الكاتبين الحافظين لها في الدنيا ، وقد يكونان غيرهما ؛ والأول أرجح. عندئذ يتيقّن المنكر ، ويرى البعث والحشر والجزاء مشاهد أمامه ؛ ينظر إليها ببصر حديد نافذ ، لا يحجبه حجاب من الغفلة أو التهاون. [الآيات ١٩ ـ ٢٢].
ويشتدّ غضب الجبّار على العصاة المعاندين ، فيأمر الله الملكين السائق والشهيد أن يلقيا في النار كلّ كفّار عنيد ، منّاع للخير متجاوز للحدود ، شاكّ في الدّين ، قد جعل مع الله إلها آخر ، فاستحقّ العذاب الشديد.
ويشتدّ الخصام بين الشيطان وأتباعه من العصاة ، يحاول كلّ أن يتنصّل من تبعة جرائمه ، وينتهي الحوار بين المجرمين بظهور جهنّم تتلمّظ غيظا على من عصا الله ، ويلقى فيها العصاة ، ولكنها تزداد نهما وشوقا لعقاب المخالفين ، وتقول في كظّة (١) الأكول النّهم ، كما ورد في التنزيل : (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) (٣٠).
وعلى الضفّة الأخرى من هذا الهول ، مشهد آخر وديع أليف رضيّ جميل. إنه مشهد الجنّة تقرب من المتّقين ، حتّى تتراءى لهم من قريب ، مع الترحيب والتكريم [الآيات ٣١ ـ ٣٥].
__________________
(١). الكظّة : البطنة.