مِنْ أَمْرِنا) [الشورى / ٥٢] وإنما سمّي روحا لأن الناس يحيون به من موت الضلالة ، وينشرون من مدافن الغفلة. وذلك أحسن تشبيه ، وأوضح تمثيل.
وفي قوله سبحانه : (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) (١٩) استعارة. والمراد بخائنة الأعين ، والله أعلم ، الرّيب في كسر الجفون ، ومرامز العيون.
وسمّى سبحانه ذلك خيانة ، لأنه أمارة للرّيبة ، ومجانب للعفّة.
وقد يجوز أن تكون خائنة الأعين هاهنا صفة لبعض الأعين بالمبالغة في الخيانة ، على المعنى الذي أشرنا إليه. كما يقال علّامة ، ونسّابة.
وأنشدوا قول الشاعر في مثل ذلك :
حدّثت نفسك بالوفاء ولم تكن |
|
للغدر خائنة مغلّ الإصبع |
أي لم تكن موصوفا بالمبالغة في الخيانة. ومعنى مغلّ الإصبع : سارق مختلس.
وأضاف الأغلال إلى الإصبع ، كما أضاف الآخر (١) الخيانة إلى اليد في قوله :
أولّيت العراق ورافديه |
|
فزار يّا أحذّ يد القميص |
أي خفيف اليد في السرقة والأحذّ الخفيف السريع. وعنى برافديه : دجلة والفرات.
وإنما ذكرت اليد والإصبع في هذين الموضعين ، لأنّ فعل السارق والمختلس في الأكثر إنّما يكون باستعمال يده ، واستخدام أصابعه.
__________________
(١). هو الشاعر الفرزدق. والبيت من أبيات في ديوانه ، وقد أشار إليه ابن قتيبة في مقدمته لكتابه «الشعر والشعراء» ص ٣٤ ، وهو يتحدّث عن التكلّف وضرورات القافية. والفرزدق يخاطب الخليفة يزيد بن عبد الملك شاكيا عمر بن هبيرة.
وفي «أساس البلاغة» للزمخشري ، روي هذا البيت هكذا :
بعثت على العراق ورافديه |
|
فزاريّا أحذّ يد القميص |