السورة من أن في قلوبهم أكنّة ممّا يدعوهم إليه ، إلى غير هذا مما حكى عنهم ، وعليه أن يشتغل بالتبليغ ويفوّض أمره إلى الله سبحانه ؛ فهو ذو مغفرة وذو عقاب أليم. ثم ذكر السياق أنه سبحانه لو جعله قرآنا أعجميّا ، ولم يفصّل آياته بالعربية كما فصّله ، لقالوا : لو لا فصّلت آياته ، لأنهم متعنّتون لا يرضيهم شيء. وذكر أنه هدى وشفاء للمؤمنين ، وأنّ غيرهم في آذانهم وقر وهو عليهم عمى ، فلا عيب فيه وإنما العيب فيهم. ثمّ ذكر تعالى أنه آتى موسى التوراة قبله فاختلف فيها كما اختلف هؤلاء المشركون في القرآن بين مصدّق ومكذّب ، وأنه لو لا سبق حكمه بإمهالهم لعجّل بقضائه بينهم ، فذكر أن من عمل صالحا فلنفسه ، ومن أساء فعليها. وذكر أن موعد ذلك ممّا اختص هو جل جلاله بعلمه ، فإذا أتى يومه ناداهم أين شركائي؟ فيتبرءون من إثبات الشركاء له. ثم بيّن أن إنكارهم لهم في الآخرة بعد إقرارهم بهم في الدنيا هو شأن الإنسان لا يثبت على حال ، فإن أقبلت عليه الدنيا لا ينتهي إلى درجة إلّا ويطلب أزيد منها ، وإن أدبرت عنه بالغ في اليأس والقنوط ، وإن عاودته النعمة ، اغترّ بها ، وظنّ أنها حق له لا يزول عنه ؛ وأنه لا ساعة قائمة ؛ ولئن كان هناك ساعة ورجع إلى ربه ليحسننّ إليه. ثم يمضي في إعراضه وينأى بجانبه ، فإذا مسّه الشر بعد ذلك عاد إلى الإكثار من دعائه.
ثم ختم بذكر ما يوجب عليهم أن يحتاطوا في أمرهم ، فأخبرهم بأنه على تقدير أن يكون القرآن من عنده ، يكون كفرهم به من أعظم موجبات العقاب. ثم ذكر أنه سيريهم ما أوعدهم به في الآفاق وفي أنفسهم. ويراد بالآفاق ، والله أعلم ، فتح البلاد المحيطة بهم ، وبأنفسهم فتح مكة ، وبهذا يتبين لهم أنه الحق : (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣) أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) (٥٤).