(وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها) [الآية ٧] ، لتقرر مركز القيادة الجديد ، فقد اختار الله جلّ جلاله بلاد العرب ، لتكون مقر الرسالة الأخيرة ، التي جاءت للبشرية جمعاء ، والتي تتضح عالميّتها منذ أيامها الأولى.
كانت الأرض المعمورة ، عند مولد الرسالة الأخيرة ، تكاد تتقاسمها إمبراطوريات أربع هي :
الرومانية ، والفارسية ، والهندية ، والصينية.
وفي هذا الوقت ، جاء الإسلام لينقذ البشرية كلّها ، ممّا انتهت إليه من انحلال وفساد واضطهاد ، وجاهلية عمياء في كل مكان من المعمورة.
جاء ليهيمن على حياة البشرية ، ويقودها في الطريق الى الله ، على هدى ونور.
ولم يكن هنالك بدّ من أن يبدأ الإسلام رحلته من أرض حرّة ، لا سلطان فيها لإمبراطورية من تلك الإمبراطوريات ، وكانت الجزيرة العربية وأمّ القرى وما حولها بالذات ، أصلح مكان على وجه الأرض ، لنشأة الإسلام يومئذ ، وأصلح نقطة ، يبدأ منها رحلته العالميّة.
لم تكن في بلاد العرب حكومات منظّمة ، ولا ديانة ثابتة واضحة المعالم ، وكانت خلخلة النظام السياسي للجزيرة ، إلى جانب خلخلة النظام الديني ، أفضل ظرف يقوم فيه دين جديد ، متحرر من كل سلطان عليه في نشأته.
وهكذا جاء القرآن الكريم بلسان عربيّ مبين ، لينذر أم القرى ومن حولها ؛ فلمّا خرجت الجزيرة من الجاهلية إلى الإسلام ، حملت الراية وشرّقت بها وغرّبت ، وقدّمت الرسالة للبشرية جميعها ، وكان الذين حملوها أصلح خلق الله لحملها ، وقد خرجوا بها من أصلح مكان في الأرض لميلادها ؛ وهكذا تبدو سلسلة طويلة من الموافقات المختارة لهذه الرسالة : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [الأنعام / ١٢٤].
وفي آية مشهورة من سورة الشورى ، تطالعنا وحدة الرسالات جميعها ، ووحدة الرسل ، ووحدة الدين ، ووحدة الهدف للجميع ، وهو توحيد الله سبحانه ، وتدعيم القيم والأخلاق ،