الكادح لثواب الآجلة ، وحطام العاجلة ، فهذا من التشبيه العجيب ، والتمثيل المصيب. لأنّ الحارث المزدرع ، إنّما يتوقع عاقبة حرثه ، فيجني ثمرة غراسه ، ويفوز بعوائد ازدراعه.
وقيل معنى : (نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) أي نعطيه بالحسنة عشرا ، إلى ما شئنا من الزيادة على ذلك. ومن عمل للدنيا دون الآخرة ، أعطيناه نصيبا من الدّنيا دون الآخرة.
وفي قوله سبحانه : (وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) (٢٨) استعارة. وليس المراد أن هناك رحمة كانت مطويّة فنشرت ، وخفيّة فأظهرت.
وإنما معنى الرحمة ، هاهنا ، الغيث المنزّل لإحياء الأرض ، وإخراج النّبت. ونشره عبارة عن إظهار النفع به ، وتعريف الخلق عواقب المصالح بموقعه.
وفي قوله تعالى : (وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ) [الآية ٤٥] استعارة. وقد أشرنا إليها فيما تقدّم ، لمعنى جرّ إلى ذكرها. والمراد بذلك ، أنّ نظرهم نظر الخائف الذليل ، والمرتاب الظّنين. فهو لا ينظر إلا مسترقا ، ولا يغضي إلا مشفقا. وهذا معنى قولهم : فلان لا يملأ عينيه من فلان. إذا وصفوه بعظم الهيبة له ، وشدّة المخافة منه. فكأنّهم لا ينظرون بمتّسعات عيونهم ، وإنّما ينظرون بشفافاتها (١) من ذلّهم ومخافتهم.
وقد يجوز أن يكون الطّرف ، هاهنا ، بمعنى العين نفسها. فكأنه تعالى وصفهم بالنظر من عين ضعيفة ، على المعنى الذي أشرنا إليه ، أو يكون الطرف مصدر قولك : طرفت ، أطرف ، طرفا. إذا لحظت. فيكون المعنى أنّ لحظهم خفيّ ، لأنّ نظرهم استراق ، كما قلنا أوّلا ، من عظيم الخيفة وتوقّع العقوبة.
__________________
(١). لعلها جمع شفافة ، وهي بقيّة الشيء.