الدرس الأخير من سورة الزخرف ، وفيها يستطرد السياق الى حكاية أساطير المشركين حول عبادة الملائكة ، ويحكي حادثا من حوادث الجدل الذي كانوا يزاولونه ، وهم يدافعون عن عقائدهم الواهية ، لا بقصد الوصول الى الحق ، ولكن مراء ومحالا.
فلما قيل : إنكم وما تعبدون من دون الله حطب جهنم ، وكان القصد هو أصنامهم التي جعلوها تماثيل للملائكة ، ثم عبدوها بذاتها ؛ وقيل لهم إنّ كل عابد وما يعبد من دون الله في النار ... لما قيل لهم هذا ، ضرب بعضهم المثل بعيسى بن مريم (ع) ، وقد عبده المنحرفون من قومه ، أهو في النار؟ وكان هذا مجرد جدل ، ومجرد مراء.
ثم قالوا : إذا كان أهل الكتاب يعبدون عيسى (ع) ، وهو بشر ، فنحن أهدى منهم إذ نعبد الملائكة وهم بنات الله ، وكان هذا باطلا يقوم على باطل.
وبهذه المناسبة ، يذكر السياق طرفا من قصة عيسى بن مريم (ع) ، يكشف حقيقته وحقيقة دعوته ، واختلاف قومه من قبله ومن بعده.
ثم يهدّد المنحرفين عن سواء العقيدة جميعا بمجيء الساعة بغتة. وهنا يعرض مشهدا مطوّلا من مشاهد القيامة ، يتضمّن صفحة من النعيم للمتّقين ، وصفحة من العذاب الأليم للمجرمين ، ثم يبيّن إحاطة الله سبحانه بجميع ما يصدر عنهم ، وتسجيل ذلك عليهم.
(أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) (٨٠).
ثم تلطّف القرآن الكريم في تنزيه الله تعالى عمّا يصفون ، فأمر النبي (ص) أن يذكر لهم أنّه لو كان للرحمن ولد ، لكان النبي (ص) أوّل العابدين له ، ولكن الله جلّ جلاله منزّه عن اتّخاذ الولد ، فهو سبحانه له الملكية المطلقة ، للسماء والأرض ، والدنيا والآخرة.
ثم يواجههم القرآن الكريم بمنطق فطرتهم ، فهم يؤمنون بالله ، فكيف يصرفون عن الحق الذي تشهد به فطرتهم ، ويحيدون عن مقتضاه :
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) (٨٧).
وفي ختام السورة يتبدّى اتجاه الرسول (ص) لربّه ، يشكو إليه كفرهم ، وعدم إيمانهم :