«وخلاصة ذلك : أنتم تؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة ، إذ لو كنتم ممّن غلب عليهم حب الآخرة لانصرفتم عمّا يترك الموتى ميراثا لأيتامهم ، ولكنّكم تشاركونهم فيه ، وتأخذون شيئا لا كسب لكم فيه ، ولا مدخل لكم في تحصيله وجمعه ؛ ولو كنتم ممّن استحبّوا الآخرة ، لما ضربت نفوسكم على المال ، تأخذونه من حيث وجدتموه من حلال أو من حرام. فهذه أدلّة ترشد إلى أنّكم لستم على ما ادّعيتم من صلاح وإصلاح ، وأنكم على ملّة إبراهيم خليل الرحمن».
[الآيات ٢١ ـ ٢٤] : (كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا) (٢١) ، ودكّ الأرض تحطيم معالمها وتسويتها ، وهو أحد الانقلابات الكونيّة ، التي تقع في يوم القيامة.
يرد الله سبحانه وتعالى عن مقالتهم وفعلهم ، وينذرهم أهوال القيامة ، إذا دكّت الأرض وأصبحت هباء منبثّا ، وزلزلت زلزالا شديدا ، وتجلّت عظمة الله سبحانه ، ونزلت ملائكة كلّ سماء فيصطفّون صفّا بعد صفّ ، بحسب منازلهم ومراتبهم ، وكشفت جهنّم للناظرين ، بعد أن كانت غائبة عنهم ، قال تعالى : (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى) (٣٦) [النازعات].
حينئذ تذهب الغفلة ، ويندم الإنسان على ما فرّط في حياته الدنيا ، ويتذكّر معاصيه ، ويتمنّى أن يكون قد عمل صالحا في دنياه ، لينفعه في حياته الآخرة ، التي هي الحياة الحقيقية.
«وترى من خلال هذه الآيات ، مشهدا ترتجف له القلوب وتخشع له الأبصار ، والأرض تدكّ دكّا ، والجبّار المتكبّر يتجلّى ويتولّى الحكم والفصل ، وتقف الملائكة صفّا صفّا ، ثمّ يجاء بجهنّم فتقف متأهّبة هي الأخرى» (١).
وتتبع الحسرة والذكرى الأليمة من فرّط في حقوق الله ، فيتذكّر بعد فوات الأوان ، ويتمنّى أن يكون قد عمل الصالحات.
[الآيتان ٢٥ و ٢٦] : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ (٢٥) وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ) (٢٦) الوثاق : الشّدّ بالأغلال.
في هذا اليوم العصيب نرى لونا متفردا من ألوان العذاب ، لقد كان
__________________
(١). في ظلال القرآن للأستاذ سيّد قطب ، ٣٠ / ١٥٧ ، بتصرّف.