المبحث السادس
لكل سؤال جواب في سورة «الغاشية» (١)
فإن قيل : لم قال الله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ (٢) عامِلَةٌ ناصِبَةٌ (٣) تَصْلى ناراً حامِيَةً) (٤) مع أن جميع أبدانهم أيضا تصلى النار؟
قلنا : الوجه يطلق ويراد به جميع البدن ، كما في قوله تعالى (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ) [طه / ١١١] وقيل : إنّ المراد بالوجوه هنا الأعيان والرؤساء ، كما يقال : هؤلاء وجوه القوم ، ويا وجه العرب : أي ويا وجيههم ، ويؤيّد هذا القول ما روي عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما أنه قال : إن المراد به الرهبان وأصحاب الصوامع.
فإن قيل : كيف ارتبط قوله تعالى : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) (١٧) بما قبله ، وأيّ مناسبة بين السماء والإبل والجبال والأرض حتّى جمع بينهما؟
قلنا : لما وصف الله تعالى الجنّة بما وصف ، عجب من ذلك الكفار ، فذكّرهم بعجائب صنعه. وقال قتادة : لمّا ذكر ارتفاع سرر الجنة قالوا : كيف نصعدها؟ فنزلت هذه الآية : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ) [الآية ١٧] اعتبار كيف (خلقت) للنهوض بالأثقال وحملها إلى البلاد البعيدة ، وجعلت تبرك حتّى تحمل وتركب عن قرب ويسر ، ثمّ تنهض بما حملت ، فليس في الدّواب ما يحمل عليه وهو بارك ويطيق النهوض إلا هي ، وسخّرت لكل من قادها حتّى الصبيّ الصغير ، ولمّا
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي ، مكتبة البابي الحلبي ، القاهرة ، غير مؤرّخ.