المبحث الثالث
أسرار ترتيب سورة «الشمس» (١)
أقول : هذه الثلاث حسنة التناسق جدا ، لما في مطالعها من المناسبة ، لما بين الشمس والليل والضحى من الملابسة ، ومنها سورة الفجر ، لكن فصلت بسورة البلد لنكتة أهم ، كما فصل بين الانفطار والانشقاق وبين المسبّحات ، لأن مراعاة التناسب بالأسماء والفواتح وترتيب النزول ، إنّما يكون حيث لا يعارضها ما هو أقوى وآكد في المناسبة.
ثم إن سورة الشمس ظاهرة الاتصال بسورة البلد ، فإنه سبحانه لمّا ختمها بذكر أصحاب الميمنة ، وأصحاب المشأمة ، أراد الفريقين في سورة الشمس على سبيل الفذلكة (٢). فقوله ، في الشمس : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) (٩) ، هم أصحاب الميمنة في سورة البلد ؛ وقوله تعالى : (وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) (١٠) في سورة الشمس ، هم أصحاب المشأمة في سورة البلد ، فكانت هذه السورة فذلكة تفصيل تلك السورة : ولهذا قال الإمام : المقصود من هذه السورة الترغيب في الطاعات ، والتحذير من المعاصي.
ونزيد في سورة الليل : أنها تفصيل إجمال سورة الشمس ، فقوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى) (٥) [الليل] وما بعدها ، تفصيل قوله : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) (٩). وقوله تعالى (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه / ١٩٧٨ م.
(٢). الفذلكة : خلاصة ما فصّل من أمر ما.