[الآيات ٢٧ ـ ٣٣] : يخاطب الله سبحانه منكري البعث ، ويرشدهم إلى أنّ بعثهم هيّن على الله ، بدليل ما يشاهدون من آثار قدرته في هذا الكون ؛ فيقول لهم ما معناه : هل أنتم أشدّ خلقا أم خلق السماء أصعب وأشقّ؟. إنكم لا تنازعون في أنّها أشدّ منكم خلقا ، ومع ذلك لم نعجز عن إبداعها ، فما الذي تستصعبونه من أمر بعثكم؟ والذي بنى السماء وأبدعها قادر على إعادتكم. قال تعالى : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٥٧) [غافر].
لقد رفع الله (سمك) السماء أي بناءها ؛ وسمك كلّ شيء قامته وارتفاعه. والسماء مرفوعة في تناسق كامل ، وتنسيق بين حركاتها وآثارها وتأثراتها ، وقد جعل الله ، سبحانه ، ليلها مظلما بمغيب كواكبها ، وأنار نهارها بظهور الضحى.
(وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) (٣٠) ، ودحو الأرض تميهدها ، وبسط قشرتها ؛ بحيث تصبح صالحة للسير عليها ، وتكوين تربة تصلح للإنبات : (أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها) (٣١) ، أي فجّر منها العيون والينابيع والأنهار ، وأنبت فيها النبات ، وثبّت الجبال في أماكنها وجعلها كالأوتاد ، لئلّا تميد بأهلها ، وتضطرب بهم : (مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ) (٣٣) ، أي إنّما جعلنا ذلك كله ليتمتّع به الناس والأنعام. وليتنبّه الإنسان على عظمة التدبير والتقدير ، فإنّ بناء السماء على هذا النحو ، وإظلام الليل ، وإضاءة النهار ، وتمهيد الأرض ، وإخراج النبات والماء ، وإرساء الجبال ؛ لم يكن كلّ ذلك سدّى ، وإنّما كان متاعا لكم ولأنعامكم.
وهذا المدبّر الحكيم سبحانه ، وفّر لكم هذا الخير الكثير ، لتتمتّعوا به ؛ ومن الحكمة والتدبير أن يكون هناك بعث وجزاء ، لإثابة الطائع ، ومعاقبة الطّغاة والعصاة.
[الآيات ٣٤ ـ ٤١] : فإذا جاءت الداهية العظمى ، التي تعلو على سائر الدواهي ، وتشغل الإنسان عن ولده ونفسه ، غطّت على كل شيء ، وطمت على كل شيء. عندئذ يتذكّر الإنسان سعيه ويستحضره أمامه ، حينما يرى