لا يوم الاعتذار ، وقد جمعناكم والأوّلين أجمعين ، فإن كان لكم تدبير فدبّروه ، وإن كانت لكم حيلة في دفع العذاب عنكم فاحتالوا لتخليص أنفسكم من العذاب. وفي هذا تقريع لهم على كيدهم للمؤمنين في الدنيا ، وإظهار لعجزهم وقصورهم حينئذ ، فهم في صمت كظيم ، وتأنيب أليم. والويل الشديد في ذلك اليوم للمكذّبين بالبعث والجزاء.
[الآيات ٤١ ـ ٤٥] : إنّ المتّقين في ظلال حقيقية ، هي ظلال الأشجار على شواطئ الأنهار ، فلا يصيبهم حرّ ولا قرّ ، ويتمتّعون بما تشتهيه أنفسهم من الفواكه والمآكل الطيّبة. ومع التكريم الحسي يلقون ألوان التكريم المعنوي ، فيقال لهم على مرأى ومسمع من الجموع : (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٤٣) : جزاء بما عملتم في الدنيا من طاعة ربكم ، واجتهدتم في ما يقرّبكم من رضوانه ، فهل جزاء الإحسان في الدنيا إلّا الإحسان في الجنة؟.
وبمثل هذا الجزاء نجزي كل الذين يحسنون في أعمالهم وأقوالهم ، وشأنهم الإحسان ، ويقابل هذا النعيم الويل للمكذّبين.
[الآيتان ٤٦ ـ ٤٧] : كلوا وتمتعوا قليلا في هذه الدار بقيّة أعماركم ، وهي قليلة المدى إذا قيست بالآخرة ، وهناك ستحرمون ، وتعذّبون طويلا : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) (٤٧).
[الآيات ٤٨ ـ ٥٠] : وإذا قيل لهؤلاء المكذّبين اعبدوا الله وأطيعوه ، لا يستجيبون ولا يمتثلون ، (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) (٤٩) بأوامر الله ونواهيه ، (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) (٥٠) : أي إذا لم يؤمنوا بهذه الدلائل على تجلّيها ووضوحها ، فبأيّ كلام بعد هذا يصدّقون؟ والذي لا يؤمن بهذا الحديث الذي يهزّ الرواسي ، وبهذه الهزّات التي تزلزل الجبال ، لا يؤمن بحديث بعده أبدا ، إنّما هو الشقاء والتعاسة والمصير البائس ، والويل المدّخر لهذا الشقيّ المتعوس.
إن هذه السورة ببنائها التعبيري ، وإيقاعها المتناسب ، ومشاهدها العنيفة ، ولذعها الحاد ، حملة لا يثبت لها كيان ، ولا يتماسك أمامها إنسان ؛ فسبحان الذي نزّل القرآن وأودعه ذلك السلطان.