بحدوث الاستطاعة ، وفعليّة وجوده بفعلية وجود الاستطاعة خارجا ، إمّا أن يكون نسبته إلى ذلك الجعل من قبل المولى نسبة المجعول إلى الجعل ، وإمّا نسبة المسبّب إلى السبب ، يعني أن هذا هو مجعول ذاك الجعل ، أو مسبّب ذاك السبب ، فإن كانت النسبة بين الشيء الحادث عند الاستطاعة وبين جعل (لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ،) إن كانت النسبة هي نسبة المجعول إلى الجعل ، فهذا مستحيل ، لأن نسبة المجعول مع الجعل نسبتهما نسبة الوجود والإيجاد ، فإن الجعل إيجاد والمجعول وجود ، والإيجاد والوجود متحدان حقيقة ، ومتغايران اعتبارا ، فلو كان هذا هو مجعول ذاك ، إذن لكان عينه ، واستحال أن يتخلّف عنه ، لوحدة الإيجاد مع الوجود ، إذن فلا يمكن أن تكون نسبة هذا الشيء الحادث إلى ذلك الجعل ، نسبة المجعول إلى الجعل ، لأنه خلف تعددهما وتغايرهما وتعدد الفترة بينهما ، مع أن الوجود والإيجاد متحدان حقيقة.
وإن كان نسبة هذا الشيء الحادث إلى ذلك الجعل ، نسبة المسبب إلى السبب. ونسبة المقتضي لمقتضيه ـ ولا عجب ، إذ كثيرا ما يوجد المقتضي بدون مقتضى لمدة من الزمان ، ريثما تستكمل شرائطه فيحدث ـ فإن قيل إنّ النسبة هي هكذا ، نسبة المقتضى إلى المقتضي ، والمسبّب إلى السبب ، فيكون أقل محذورا من الأول ، لكنه باطل في نفسه أيضا ، لأن هذا المسبب ، وهذا المقتضى الذي يحدث حين وجود الاستطاعة ، إمّا أن يحدث في عالم الخارج ، خارج نفس المولى والجاعل ، أو في عالم نفس الجاعل ، وكلاهما باطل. أمّا كونه باطلا إذا حدث في عالم خارج نفس الجاعل ، فلوضوح أن الوجوب ليس من الحقائق الخارجية كالبياض ، والصفرة ، والحرارة ، والبرودة ، بحيث يوجد شيء في الخارج اسمه «الوجوب». وأمّا كونه باطلا إذا حدث في عالم نفس المولى والجاعل كشيء جديد ، بمعنى أن المولى عند ما يستطيع شخص ، يحدث في نفسه شيء جديد ، فهذا غير صحيح ، لأن فعلية الحكم تابعة لواقع وجود الاستطاعة خارجا ، سواء التفت المولى إلى ذلك ، أو لم يلتفت ، اعتقد بوجود الاستطاعة أو لم يعتقد ، إذن فكيف يتصوّر أن يكون