نحتمله أصلا ، لأننا لا نحتمل أكثر من واجب واحد في المقام ، ولا عقاب إلّا بمقدار ما نعلم ، فالعقاب الثاني غير محتمل ، فلا يجري الأصل فيه ليؤمّن العبد منه ، فأصالة البراءة عن الوجوب النفسي للوضوء لغو لا يعقل تأمينه. إذن ، وهذا بخلاف أصالة البراءة عن الوجوب النفسي للزيارة ، فإنه يؤمّن من ناحية ترك الزيارة ، إذ إنّ ترك الزيارة غير مساوق للمخالفة القطعية فيما إذا توضأ ، ولكن لو ترك الوضوء وزار ، فقد خالف مخالفة قطعية ، ومن هنا تجري أصالة البراءة عن وجوب الزيارة بلا معارض ، وينحل العلم الإجمالي انحلالا حكميا.
وبعبارة أخرى : إن أصالة البراءة عن وجوب الزيارة ، لا تعارضه أصالة البراءة عن وجوب الوضوء ، إذ يعلم على كل حال بترتب العقوبة على مخالفته إمّا بنفسه ، أو باعتباره يؤدي إلى ترك الواجب النفسي ، فلا تجري البراءة عنه. إذن فبلحاظ عالم الأمر لا يوجد انحلال ، ولكن بلحاظ عالم العهدة والتحميل يتم الانحلال لأنه يعلم باشتغال الذمة على كل حال ، فحال العلم الإجمالي في المقام ، حال الانحلال في سائر موارد الدوران بين التعيين والتخيير ، إذن فالنتيجة ، هي : جواز ترك الزيارة دون الوضوء.
الصورة الثالثة : هي عين الصورة الثانية ، لكن نفرض أن الواجب النفسي المحتمل ، والذي فرضنا أنه «الزيارة» هناك ، نفرضه هنا أمرا مبهما مرددا بين آلاف الأشياء غير المحصورة.
وبعبارة أخرى : هذه الصورة هي نفس الصورة الثانية ، غاية الأمر أنه على تقدير الغيرية ، يكون مقدمة لواجب نفسي مردّد بين أمور غير محصورة ، كما لو قال المولى : «توضأ» ، ولا نعلم أن الوضوء واجب نفسي أو غيري ، وعلى تقدير كونه غيريا ، فهل هو مقدمة للزيارة فالزيارة واجبة ، أو للدعاء ، فالدعاء واجب إذن ، أو للصلاة ، فالصلاة واجبة إذن ، أو لقراءة القرآن ، فقراءة القرآن واجبة ، وهكذا بحيث يدور بين أمور كثيرة.
في مثل ذلك ، يتشكل علم إجمالي بوجوب نفسي في دائرة غير