يبرز فرقا بين الصورة الرابعة هنا ، والثانية هناك.
وحاصل هذا الفرق هو أن يقال : بأن البيان المتقدم في الصورة الثانية لعدم جريان أصالة البراءة عن الوجوب النفسي للوضوء ، لا يجري هنا في الصورة الرابعة ، فإنه في الصورة الثانية كما يقال : بأن أصالة البراءة عن الوجوب النفسي للوضوء ، لا تؤمّن عن أصل العقاب ، لأن ترك الوضوء يساوق المخالفة القطعية للتكليف المعلوم بالإجمال ، وإن كان المراد بالتأمين بهذا الأصل عن عقاب ثان وراء هذا العقاب. فإن العقاب الثاني غير محتمل ، لأنه في تلك الصورة كان يعلم بوجوب نفسي واحد متعلّق إمّا بالزيارة ، وإمّا بالوضوء ، فإن كان متعلقا بالزيارة فالوضوء مقدمة لها ، وإن كان متعلقا بالوضوء مباشرة فلا واجب غير الوضوء ، إذن فلا يحتمل عقاب ثان حتى يؤمّن من ناحيته.
وهذا بخلافه في المقام ، فإنه هنا يمكن إجراء أصالة البراءة عن الوجوب النفسي للوضوء ويكون هذا الأصل مؤمّنا عن العقاب الثاني ، لا العقاب الأول ، لأن المفروض في المقام أن الوجوب النفسي فيه معلوم على كل حال ، وإنما الشك في أن الوضوء واجب نفسي أيضا حتى يصير عندنا واجبان نفسيّان ، أو إنّ الوضوء واجب غيري مقدمة للصلاة. وحينئذ لو فرض أن المكلّف ترك الوضوء والصلاة معا ، حينئذ وجود عقاب واحد بالنسبة إليه ، أمر مفروغ عنه لا يمكن رفعه بالأصل ، لكن هل هناك عقاب بملاك ثان؟. هذا أمر مشكوك فيه ، لأنه إن كان الوضوء واجبا غيريا ، إذن فلا عقاب من ناحيته ، وإن كان الوضوء واجبا نفسيا وقد تنجز ، فحينئذ ، سوف يعاقب بعقابين : عقاب بلحاظ ترك الصلاة ، وعقاب بلحاظ ترك الوضوء.
إذن فهنا تفيد أصالة البراءة عن الوجوب النفسي للوضوء ، لأنها تنفي العقاب الثاني ، لأن العقاب الثاني في هذه الصورة محتمل ، فلو بقي الوجوب النفسي المشكوك في الوضوء بلا مؤمّن شرعي ، لتنجز وترتب العقاب عليه ، وأصالة البراءة عنه هنا وظيفتها نفي هذا العقاب ، وهذا أثر عملي يصحح