جريان البراءة في المقام ، بينما أصالة البراءة عن الوجوب النفسي ، للوضوء في الصورة الثانية ، لم يكن هناك أثر عملي يصحّح جريانها ، لأن نفي أصل العقاب عند ترك الوضوء غير معقول ، ذلك للعلم بالمخالفة القطعية ، ونفي العقاب الثاني ، لا نحتاج فيه إلى الأصل ، فلا يعارض جريانه البراءة عن وجوب الزيارة ، وأمّا أصالة البراءة هنا عن الوجوب النفسي للوضوء فله أثر عملي ، وهو نفي العقاب الثاني فيما لو ترك المكلّف كلا الفعلين رأسا ، وإذا كان له أثر عملي جرى ، وإذا جرى تعارض الأصلان ، فيكون أصل البراءة عن الوجوب النفسي للوضوء ، معارضا بأصل البراءة عن الوجوب النفسي للتقيّد.
ولكنّ هذا الفرق الذي يمكن للسيد الخوئي «قده» أن يطرحه بين الصورتين ، ليس مفرّقا على مباني المحقق النائيني «قده» في باب تنجيز العلم الإجمالي ، وتوضيح ذلك يحتاج إلى بيان مقدمة :
وهذه المقدمة هي أن يقال : بأنه لا إشكال في أن جريان الأصول المؤمّنة في أطراف العلم الإجمالي غير معقول ، ولكن الميرزا «قده» اشترط في عدم معقولية هذه الأصول أن تكون هذه الأصول الجارية في كل الأطراف ، أو الطرفين ، على نحو بحيث يمكن للمكلّف إذا استند عليها جميعا في عرض واحد ، وفي وقت واحد ، أن يقع في المخالفة القطعيّة ، كما لو فرض أنه علم إجمالا بوجوب الظهر ، أو الجمعة ، فأجرى في وقت واحد أصالة البراءة عن وجوب الظهر وأصالة البراءة عن وجوب الجمعة فجمع بين التركين استنادا إلى مجموع الأصلين ، فإنه في مثل هذه الحالة لا يعقل جريان الأصول ، لأنه ترخيص في المخالفة القطعيّة.
وأمّا لو فرض أن الأصول جرت في تمام الأطراف ، لكن مع هذا فالمحذور عقلي إذ إنّه عاجز عن الاستفادة من تمام هذه الأصول ، بحيث يترك هنا ويترك هناك ، مستندا إلى الأصلين مثلا ، فالأصول المؤمّنة تجتمع ولكن استنادات المكلف إليها لا يمكن أن تجتمع ، في مثل ذلك. قال المحقق النائيني «قده» : بإمكان جريان الأصول جميعا ، إذ لا يلزم من جريانها جميعا