أن يقتحم المكلف هنا وهناك وهنالك ، ويجمع بين هذه الاقتحامات ، ويخالف مخالفة قطعية ، باستناده إلى هذه الأصول ، فإن مثل هذا المطلب لن يقع خارجا ومثال ذلك : الشبهة غير المحصورة ، فإنه فيها إذا علم إجمالا أن أحد الأواني الموجودة في بلده الكبير هي نجسة ، فيعلم إجمالا بحرمة الشرب بواحد من هذه الأواني ، هنا قال المحقق النائيني «قده» ، ونحن معه نقول : بأنه يمكن إجراء أصالة الطهارة في تمام أطراف الشبهة غير المحصورة ، لأنه لو أجريت أصالة الطهارة وأصالة الإباحة في تمام هذه الأواني ، حينئذ سوف لن يتمكن المكلف أن يستند إليها جميعا في عرض واحد ، وليس حالها حال الظهر والجمعة ، إذن فلا بأس باجتماع الأصول ، لأن اجتماعها إذا كان يؤدي إلى اجتماع المخالفات الاحتماليّة ، فهو غير معقول ، وأمّا إذا لم يؤدّ إلى ذلك فلا بأس به.
وحينئذ على ضوء هذا المبنى نعالج محل الكلام فنقول :
إن أصالة البراءة في محل الكلام عن الوجوب النفسي للوضوء ، لا يظهر تأمينها وأثرها ، فيما إذا أتى بالصلاة وترك الوضوء ، لأن هذا التارك للوضوء يعلم بوقوع مخالفة واحدة منه ، لأن الوضوء إن كان واجبا نفسيا فقد عصى ، وإن كان شرطا في الصلاة ، إذن فقد عصى الأمر بالصلاة ، إذن فهو قد عصى كلا الأمرين ، ولم تصدر منه معصية ثانية يقينا ، لعدم احتمال أن يكون قد صدرت منه معصيتان في المقام ، لأنه لا يحتمل أن يكون الوضوء واجبا نفسيا وشرطا في وقت واحد.
إذن ففي فرض ترك الوضوء والإتيان بالصلاة ، فإن أصالة البراءة عن الوجوب النفسي للوضوء ، لا تحدث فيه تأثيرا ، لأنه إن أريد بها التأمين من ناحية أصل العقاب ، فغير معقول ، لأنه يعلم بالمخالفة القطعية. وإن أريد التأمين لنفي العقاب الثاني ، فهو معلوم العدم. إذن فهذا الأصل ليس مركز تأمينه هو هذا المكلّف الذي ترك الوضوء وأتى بالصلاة.
نعم هذا المكلّف يكون مركزا للتأمين من ناحية أصالة البراءة عن