الوجوب الضمني للتقيّد ، لأن هذا المكلّف الذي ترك الوضوء وأتى بالصلاة ، ومن بعدها أتى بالوضوء ، حينئذ مثل هذا المكلّف يكون قد أمّن عن إيقاع الوضوء قبل الصلاة ببركة أصالة البراءة عن التقيّد.
وهنا مكلّف آخر وهو الذي يترك العملين معا ، الوضوء والصلاة ، مثل هذا المكلّف ، إذا أجرى أصالة البراءة عن الوجوب النفسي للوضوء ، فإنه يظهر لهذا أثر بالنسبة إليه ، وهو التأمين عن العقاب الثاني.
وبهذا يتّضح أن مؤمّنيّة كل من الأصلين والاستناد إليهما معا في حال ، غير حال الاستناد إلى الأصل الآخر ، وأنه لا يمكن الاستناد إلى الأصلين معا في عرض واحد ، فالمكلّف الذي يستفيد من هذا الأصل ، غير المكلف الذي يستفيد من ذاك الأصل ، لأن المكلف الذي يستفيد من أصالة البراءة عن الوجوب النفسي للوضوء ، هو من ترك الوضوء والصلاة معا ، وهذا سوف لن يستفيد من الأصل الآخر ، وهو أصالة البراءة عن التقيّد ، فهو ترك الصلاة رأسا ، فلا يؤمّنه أصالة البراءة عن التقيّد بالوضوء ، وإنما يستفيد من أصالة البراءة عن التقيّد ، من أتى بالصلاة ، ثم أتى بالوضوء بعدها ، ولا يعقل أن يوجد شخص واحد يستفيد من كلا الأصلين إلّا مع فرض تعدّد الواقعة ، فإنها فيها لا بأس بجريان الأصلين معا ، فتجري أصالة البراءة عن التقيّد ليستفيد منها من يصلّي ثم يتوضأ بعد ذلك ، وتجري البراءة عن الوجوب النفسي للوضوء ، ليستفيد منها ذلك الشقي الذي يترك الوضوء والصلاة معا ، من أجل نفي العقاب الثاني بالنسبة إليه.
إذن فمحل استفادة كل من الأصلين ، غير محل الاستفادة من الأصل الآخر. وهذا يصير من قبيل الأصول في الشبهة غير المحصورة ، حيث أن شخصا واحدا لا يمكن أن يستفيد من أصالة الطهارة في هذه الآنية ، وهذه الآنية ، وهكذا ، بل يستفيد من بعضها ، وهنا كذلك ، فإن المكلّف لا يمكن أن يستفيد من كلا الأصلين ، لأنه إن ترك كلا الفعلين ، إذن فسوف تنحصر فائدته العملية في إجراء أصالة البراءة عن الوجوب النفسي للوضوء ، لنفي العقاب